ماهر منصور يكتب: دراما رمضان في بيانات النقاد

قلما يلتقي النقاد والجمهور عند عمل درامي بعينه، ولكن حيث يستحيل اللقاء بينهما لا يعني عملياً أن الاثنين يختلفان على الشيء ذاته في العمل الدرامي.

المسألة باختصار أن الفارق بين نظرة الناقد و نظرة المشاهدين إلى المسلسل التلفزيوني، يشبه إلى حد كبير الفارق بين نظرة الكيمائي والانسان العادي إلى الماء، الأول يراه عبارة عن اتحاد ذرتي هيدروجين مع ذرة أكسجين، فيما لا يهم الثاني معرفة تركيب الماء وخصائصه الكيميائية، وما يعنيه هو كم يبدو الماء عذباً يروي عطشه، لذلك سنجد في كل مرة ميلاً من المشاهدين تجاه نمط درامي بعينه، حتى لو لم يرق للنقاد.

نرشح لك – ماهر منصور يكتب: “طريق”.. قريباً من السينما.. بعيداً عن محفوظ

وفق قناعتي تلك استطيع أن اتفهم سر التهافت الجماهيري على عمل دون آخر، حتى تلك الأعمال التي لم تحظى بالقبول النقدي، ولا استغرب عبارات المديح العالي التي يدبجونها في الثناء على نجوم تلك المسلسلات ولسان حالي يقول “الحب أعمى”.

ما لا أفهمه اليوم هو حالة الحب المجانية التي تصيب عدداً من نقاد الفن، ممن يصنفون حسب نجوم الدراما بـأنهم “أساتذة كبار”، إذا أجدهم يطيحون بكل معايير النقد وأحكامه، وينخرطون في لعبة (الفانز) العاشق ذاتها، فيدبجون عبارات المديح لهذا النجم أو ذاك، ويطلقون أحكاماً قيمية من دون أي اعتبار لقواعد معيارية، كما تقتضي لعبة النقد….بل ومن دون حد أدنى لاحترام عقولنا، فيخرج ناقد وصحفي من لبنان ليشيد بأداء الفنانة نيكول سابا في مسلسل “الهيبة- العودة” بعد ظهورها في مشهدين فقط، قائلاً على صفحته في “توتير”: ” نيكول سابا تقلب مقاييس (الهيبة- العودة) وتقلب معها المعادلة الدرامية في رمضان! انقلاب يدرس في الشهادات العليا”، ويصف ناقد ثان، على صفحته الشخصية، حضور الممثلة سابا في المسلسل ذاته بأنها “ديك لا خروف”…ويختصر ناقد ثالث أداء الممثلين بصفات مميزة نسمعها في كل مكان إلا النقد ، فالممثلة الفلانية “مجرمة” والممثل الفلاني”  هائل”…وبطبيعة الحال سنسمع من نقاد آخرين عبارات نقدية من قبيل “فنان يتحدى نفس”، “أداء يدرس”، ” غول تمثيل”…وسواها.

وفي مصر أثار بيان صحفي (نقدي) وصل إلى الصحفيين يشيد بأداء الفنانة صبا مبارك في مسلسل “طايع”  حفيظة الوسط الإعلامي ؟! فمع هذا البيان (النقدي) كان هناك من يريد للنقد أن ينتقل من كونه مؤسسة فردية قائمة على معايير جماعية إلى مزاج عام يريد أن يشيعه النجوم أنفسهم حول أدوارهم، بعد أن تولوا بأنفسهم توزيع أخبارهم والإعلان عنها عبر صفحاتهم في السوشيل ميديا.

الكارثة أن نجوم الدراما، ممن يفترض أنهم درسوا المهنة وعرفوا أصولها، يسارعون ما ان تنتشر تلك عبارات المديح المجانية لإعادة نشرها وشكر من كتبها، في الوقت يتجاهلون أي نقاش جدي لأدوارهم إذا مر فيه ما لا يروق لهم، بل ومنهم من يهاجم تلك النقاشات الجدية، بداعي أنها انطباعات شخصية لا نقد… ولكن هل كل هذا الإنشاء الذي يحتفون به هو النقد الذي يقصدونه…؟!

نرشح لك – 34 فنانًا عربيًا في دراما رمضان 2018.. تونس في الصدارة

بلا شك أن نقد الدراما التلفزيونية اليوم يعاني من مشكلة حقيقية مردها أن عدداً من كتابه أسرى لإمكانياتهم وثقافتهم وضبابية فهمهم لأغراضها وطبيعتها، فالكثير من هؤلاء الكتاب/ النقاد  يعملون محررين في الأقسام الفنية والثقافية في الصحف والمجلات، ويمارسون الكتابة النقدية بطريقة موسمية مرتبطة بمواسم العرض الرمضانية، الأمر الذي كرس نموذجاً عاماً للكتابات النقدية التلفزيونية يغلب عليه الاستسهال والآراء الانطباعية المرتجلة، وضبابية في فهم الفارق بين النقد وبين الانتقاد، والفارق بين المديح والتقييم.

إلا أن ما اعترى العملية النقدية لا تعني أن نضيع بوصلة النقد الحقيقة، إذ سيبقى هذا الأخير عملية تشريح  تعيد تفكيك العمل بهدف إعادة بنائه.

وببساطة  لا يوجد نقد درامي إيجابي وآخر سلبي، لا يوجد نقد بنبرة عالية وآخر بنبرة منخفضة، يوجد نقد مسؤول يقول كلمته الموضوعية مبررة ومقنعة ومدروسة….وتلك حقيقة لن تغيرها المعادلات النقدية الجديدة…التي يرسخها البعض على صفحات التواصل الاجتكاعي ويتمترس خلفها النجوم.