كان ينبغى أن ألبي الدعوة، إنه عيد ميلاد فنان الكوميديا الراقية جورج سيدهم الذى ملأ الدنيا دفئا، صاحبة الدعوة صديقة عمر جورج الرائعة نادية لطفي، التى تعودت منذ نصف قرن على إقامة حفل عيد ميلاد جورج، ذهبت على الفور لمستشفى المعادى العسكرى متجها للغرفة رقم 502.
الحفل فى بهو بالقرب من الغرفة، شارك فيه عدد من كبار الضباط الذين يتلقون العلاج بالمستشفى وصاروا مع الزمن من أصدقاء نادية لطفى.
جورج هو نجم الحفل بإشعاعه ودفئه، زادته محنة المرض حضورا، فتلمح فيضاً من الرضا والنور على وجهه.
نرشح لك: أحدث ظهور للفنان جورج سيدهم
سألت مرة سمير غانم هل تتفق مع الرأى القائل إن عنوان جيلكم هو عادل إمام؟، أجابنى عادل هو الأذكى إلى درجة أنه منذ منتصف الستينيات عندما بدأت الفلوس تعرف الطريق إلى أيادينا كان ينصحنى قائلا «حول كل فلوسك إلى دولارات»، وقتها كان الجنيه يزيد على 3 دولارات، تخيل لو فعلتها لأصبحت مليونيرا، ذكاء عادل إمام واستمراره فى التألق حتى الآن لا يعنى حجب عطاء الآخرين، إنه زمن عادل وجورج وسمير وسعيد ويونس، إحنا الخمسة شكلنا نبض وزمن جديد للكوميديا مغاير عن الجيل الأسبق، وأعنى به الأساتذة فؤاد المهندس ومدبولى وعوض.
عندما حصل سمير فى العام الماضى على جائزة فاتن حمامة التقديرية سألت د. ليندا أن أحصل على كلمة من جورج فقال: (حبيبى سمير تكريمك يا صديق العمر هو تكريم لى، لمشوار قطعنا بدايته معا، وتكريمى هو تكريم لك، أسعدت الملايين فأحبك الملايين، سمير حبيبى ألف مليون مبروك).
جورج والضيف وسمير هذا الثالوث أول من بدأ نقطة انطلاق الفوازير مطلع الستينيات مع بدايات التليفزيون المصرى، وعلى مدى تجاوز عشر سنوات استمر عطاء الثلاثى حتى بعد رحيل الضيف أحمد.
الرسالة التى أحملها للملايين من محبى جورج أنه حاضر فى الحياة بإصرار محتفظا بكل قواه العقلية والإدراكية، فقد جزءًا من القدرة على الحركة والكلام، إلا أنه لا يزال متابعا جيدا لكل ما تبثه (الميديا)، أحرص بين الحين والآخر على أن أستمع إلى صوته فى الأعياد مستعينا بزوجته د. ليندا، كثيرون يتوجهون بالشكر والعرفان إليها، حيث تزوجا بينما كان جورج مضربا عن الزواج شاهدها فى الصيدلية فأصبحت هى شريكة عمره، وكأنه كان يبحث عنها طوال السنوات الماضية، بعد سنوات قليلة أقعده المرض، الزوجة المحبة منحت الكثير لجورج ولم ندرك- كما قالت لى أكثر من مرة- أن جورج يمنحها ما هو أكثر.
كنت قريبا من جورج فى بداية زواجه ووجه لى الدعوة لحضور فرحه فى الكنيسة وبعدها فى أحد الفنادق الكبرى أتذكر جيدا أن شفيق جلال غنى لصديقه «شيخ البلد خلف ولد»، ثم استبدلها فى الإعادة «قسيس البلد خلف ولد».
وكنا نضحك على تلك الطرفة، لم يترك لنا جورج سيدهم رصيدا كبيرا بالعدد، ولكن ما أبدعه نحن إليه كثيرا، مع مطلع الستينيات ظهر هذا الثلاثى باعتباره معادلا موضوعيا لزمن التليفزيون، الثلاثية تعنى أن تُضحى بنجوميتك كفرد لصالح المجموع، كان الجمهور ينقسم فى حبه بين الثلاثة، جورج بملامح الطفولة التى لم تغادره حتى الآن ينشرح قلبك بمجرد رؤيته، الضيف أحمد بجسده النحيل وكنا نراه العقل المفكر للثلاثى، فهو يجيد منح الآخرين الفرصة لتحقيق أعلى معدلات الضحك، سمير غانم الطويل الأصلع قبل أن يرتدى الباروكة القادر على سرقة الضحك، ومن خلال فوازير الأبيض والأسود التى كانت الملعب الأساسى عندما وقع اختيار المخرج محمد سالم عليهم، جورج لديه حالة من الشجن النبيل يمنحها للشخصية، أتذكر دوره فى إحدى الفوازير أحدب نوتردام فكان ينشد «يا بختك يا حجر ياريتنى كنت قاسى وقلبى من حجر يا بختك ياحجر»، المساحة الإبداعية التى تحرك فيها جورج على ضآلتها تألق فيها مثل فيلمى «الشقة من حق الزوجة» لعمر عبد العزيز و«الجراج» لعلاء كريم، حضور دافئ على الشاشة ولا يزال نابضا بالحياة.
سكن جورج ولا يزال فى قلوبنا، وفى تلك الليلة منحه الحاضرون الحب، ومنحهم جورج ما هو أكثر من الحب، إنه شعاع الرضا والنور!!.