عبدالرحمن جاسم يكتب: حكي دراما (3) عن طريق.. أسوأ طريق!

يمكن اعتبار مسلسل “طريق” واحد من أسوأ المعالجات التي شاهدتها في حياتي لرواية لكاتب شهير. يأتي المسلسل مقتبساً عن رواية “الشريدة” للكاتب المصري الفائز بجائزة نوبل نجيب محفوظ. القصة التي كانت السينما المصرية قد قدّمتها في العام 1980 في فيلمٍ مميز للغاية مع النجوم محمود ياسين، نجلاء فتحي، ونبيلة عبيد وإخراج أشرف فهمي. اليوم يعاد تقديم القصة ذاتها ولكن مع تعديل كتابي لفرح شيّا وسلام كسيري، وإخراج السورية رشا شربتجي. في المعتاد، هناك صراع بين الخير والشر. في هذا المسلسل، الجميع “رماديون”، لا أخيار ولا أشرار. من غير الواضح من علينا كمشاهدين أن نتعاطف معه؛ من علينا أن نكره. هل هذه هي طريقة الدراما الحديثة؟ أن تخلق أبطالاً لا نصطف خلفهم أو نحبّهم؟

نرشح لك: عبد الرحمن جاسم يكتب: حكي دراما (2) عن “فوق السحاب” و “أبو عمر المصري”

بطبيعة الأحوال نحن لا نرغب في وجود صراع بين الخير والشر على طريقة المسلسلات المصرية القديمة أو مسلسلات تلفزيون المنار حالياً (الخير المطلق مقابل الشر المطلق، كما في مسلسلات نور الشريف، أو مسلسل “بوح الياسمين” الحالي ونموذجه). نحن نرغب بأن تكون الدراما حقيقية، دراما تستند على “واقعية مدهشة” (كالتي تظهر في أدب أميركا اللاتينية، واليابان). دراما ترتكز على شرير يقوم بالشر لظروف، وليس لمجرّد أنه شرير. شرير ليس مليئاً بالوشوم وتزين وجهه ندبة كبيرة من الأعلى إلى الأسفل، فالوشوم كما الندبة ليست سمة الشر، بل إنها اليوم جزء من “الموضة”. منطقياً، يقدّم المسلسل قصة جميلة للغاية، بطريقة رديئة للغاية. البطلة كما حبيبة البطل السابقة، كلتاهما من الطينة عينها، لكن صنّاع المسلسل، قرروا أن هذه عليها أن تكون البطلة، فيما الثانية عليها أن تكون “الشريرة”. البطلة “تقرف” من البطل “البسيط”، “العائلي” “البيتوتي”، المحب لعائلته ولعمله، دون أن يظهر صنّاع المسلسل أي دليل على “رقي” البطلة، أو حتى عن “حالها الإجتماعي المرتفع” بالمقارنة مع البطل “المُحدث النعمة”. أكثر من هذا تظهر والدة البطلة، لتحكي عن “أن البطلة تبيع نفسها” لراعي أغنام، كما لو أنَّ رعاية الأغنام عيب ويقلل من شأن البطلة، مع العلم أنها هي من “تقدّمت” لخطبته، في واحد من أسوأ مشاهد الدراما في العالم العربي (إذا لم يكن العالم ككل). لم يكن المشهد موفقاً، كما أن البناء الدرامي كان سيئاً للغاية. ما هي حكمة الأمر؟ فعلياً بماذا تختلف البطلة عن خطيبة البطل السابقة والتي تركها تحت حجّة أنها “تحب مصلحتها” و”مستعدة للقيام بأي شيء” للحصول على ما ترغب به. ألم تقم بطلة المسلسل بذلك الفعل؟ وبنفس الطريقة؟

نرشح لك: عبد الرحمن جاسم يكتب: حكي دراما (1) عن طريق وكلبش والسهام المارقة

في الحرفة؛ يا صنّاع الدراما الكرام: حينما تودّون صناعة دراما، عليكم أن تدرسوا شخصياتكم ولو قليلاً. هكذا تقسّم الدراما الأمر: (Protagonist) وهو “البطل”، ويمكن أن يكون “شريراً/طيباً” (أما بين بين)، الثاني (Antagonist) هو خصم البطل وضده. منطقياً، يتعارض البطل وضد البطل للوصول إلى “صراع” لتظهر سمات هذا البطل. هنا يجب الإشارة إلى أنَّ أعظم الروايات هي التي يصل فيها البطل وضد البطل إلى نقطة يتشابهان بشكل كبير، أي يتداخل الخير والشر معاً. مثلاً إذا كان البطل شريفاً ولا يسرق، والشرير سارق ولص، يسعى اللص والشرير إلى جعل البطل سارقاً ولصاً مثله. في هذا المسلسل –الرديء الصنعة والكتابة- البطلة ومنذ اللحظة الأولى نسخة محروقة عن “الشريرة”. هذا لا يحدث إلا في بلادنا!

لا يحدث إلا في بلادنا.