طارق الشـناوي
نقـلا عن الشرق الأوسط
باحت بالكثير في العديد من التسجيلات، ومن بين من فضفضت إليهم كاتب هذه السطور، عاشت زمناً خصباً يقترب من المائة عام إلا ثلاثة، عاصرت الكبار مثل عباس محمود العقاد، وأم كلثوم، وعبد الوهاب، وعبد الحليم، والأطرش، وعبد الوهاب، وطبعاً محمد فوزي، وغيرهم، هذه الحياة الثرية بات علينا جميعاً وطبقاً لما أعلنته مديحة يسري من قبل فإننا نتحمل عنها المسؤولية، ونتصدى لكل من يحاول تقديم مشوارها في مسلسل تلفزيوني أو فيلم سينمائي.
نفس تلك الوصية أعلنتها شادية وهند رستم، من الواضح أنها رأت العديد من المسلسلات، التي تناولت حياة شخصيات عامة، وهالها هذا العدد الضخم من الأكاذيب التي تخللها المصنف الفني.
ويبقى سؤال، علينا التفكير فيه بصوت مسموع، مديحة يسري قبل نحو 15 عاماً كثيراً ما تحدثت عن عشرات من الأمور الشخصية مثل إعجاب عباس محمود العقاد بها حتى إنها صارت ملهمته، فلقد هام بها حباً بمجرد أن رأى صورتها متصدرة إحدى المجلات، وعندما جاءت إلى ندوته الأسبوعية قرر أن يحتضنها فكرياً أيضاً.
نرشح لك: ماهر منصور يكتب: “طايع” بين عكاشة وعدوان.. عالم يوجعنا
فكان يمنحها الكتب لتناقشه في معانيها، لتعرف منه ما قد تكون تعثرت في إدراكه، كان رافضاً دخولها الوسط الفني، بينما هي لم تستطع تجاهل نداء الفن، وأصرت أن تُكمل مشوارها، بينما هو تجرع بعدها مشاعر الهزيمة.
أشارت إلى تعدد خيانات محمد فوزي مع ثلاث فنانات صديقات لها، ولكنها لم تبح بالأسماء، مع الزمن لم تعد مديحة تُفضل الحديث عن تلك الوقائع، خصوصاً علاقتها مع عباس محمود العقاد، الذي لم ينسها أبداً، بل كتب عنها أيضاً أشعاراً. كل الرجال الذين تزوجتهم خانوها رغم أنها صُنفت في نهاية الأربعينات واحدة من أجمل نساء العالم، كل هذه التفاصيل تصلح كبناء درامي جاذب لأي عمل درامي.
هل من حق الفنان أن يمنع تقديم سيرته الذاتية للناس؟ تابعنا قبل نحو عشر سنوات احتجاج ورثة عبد الحليم بسبب مسلسل «العندليب»، واحتجاج ورثة سعاد حسني ضد «السندريلا»، وهو ما تكرر أيضاً قبلها مع مسلسل عن حياة نزار قباني، وآخر عن حياة الشيخ متولي الشعراوي… القانون فقط يحذّر من التشويه، ولكن تقديم الحياة بأسلوب محايد وموثق لا يعد جريمة، ولكن تبقى «الوصية» بكل ما تحمله من إلزام أدبي لمعاصري مديحة يسري.
لديكم مثلا تحية كاريوكا، لم توصِ بشيء، رغم أنها كانت تُدرك أن هناك من سيقدم قصة حياتها ولن يلتزم بالضرورة بكل الحقيقة، ولهذا مثلاً لم تعترض ابنة شقيقتها رجاء الجداوي على المسلسل الذي تناول سيرتها الشخصية.
الورثة كالعادة يصعدون لمقدمة «الكادر»، ويمنحون أنفسهم مشروعية الحديث باسم الفنان خصوصاً بعد رحيله. في حياة مديحة يسري لم نرَ أحداً، فلقد مات ابنها الوحيد عمرو محمد فوزي، وأصبح أبناؤها من كانوا يلعبون دور أبنائها على الشاشة، مثل نجلاء فتحي وميرفت أمين، ونبيلة عبيد، وسمير صبري، ويسرا وإلهام شاهين، هؤلاء هم حائط الصد الذي يحميها. أتذكر قبل رحيل شادية بستة أعوام، أنه بدأ الإعداد لتصوير مسلسل عن حياتها ضد رغبتها، فقرر كاتبنا الكبير الراحل أحمد رجب أن يتصدى لهم في عموده الشهير «نص كلمة»، فكتب فقط ما لا يزيد على كلمة ونصف، كانت كفيلة بتوقف المشروع، وهي أيضاً رغبة صديقتها مديحة يسري، التي رحلت قبل أيام، من دون أن تعلم أن شادية سبقتها إلى العالم الآخر!