خمسون عامًا ولا يزال المشاهد العربي يقف “مسمرًا” أمام شاشة التلفزيون خلال شهر رمضان، يتلقى جرعة من برامج الكاميرا الخفية بعد الإفطار، تجعله يشرع بالتخمة أحيانًا، أو عاجزا عن الحركة منتشيًا، دون أن يكون له صوت أو رأي مباشر عبر الإعلام، عام بعد عام، جاءت ثورة الإنترنت، فتحت الأبواب أمام الجمهور كي يمضي في قول كلمته بصوت عالي، للكشف عن حجم “الخدعة”، ويطرح السؤال كل مساء، هل مشاهد هذا البرامج مصطنعة أم حقيقية؟ أو كما تعبر اللهجة الجزائرية “مخدومة و لا مش مخدومة؟”.
نرشح لك – حسين عثمان يكتب: تأملات مُشاهِد من زمن فات
بلغة واحدة تخاطب الجمهور الجزائري، ثلاثون كاميرا خفية تم إنتاجها هذه السنة، وهي تشكل نسبة 25% من برامج التليفزيون المنتجة خصيصًا لشبكة رمضان بالجزائر، وأكثر ما يميزها تلك اللغة المشحونة باستفزاز مشاعر المتفرج، ما يجعلها طبقا شهيًا لا يستغني عنه الصائم، قد تغيرت القاعدة هذه السنة، وبدا واضحًا اهتمام الجمهور بحجم الخداع أكثر من إدانة العنف، الذي تكرسه عدسات الكاميرا الخفية. ما يدفع الجمهور نحو تفجر بركان من الأسئلة حول مدى مصداقية البرنامج في نفس الوقت، ويتنافس المشاهدين بعد عرض الحلقة مباشرة في اختبار مستوى ذكائه، يحلل أبسط تفاصيل المشاهد، أحيانا عبر التركيز على ملابس الضيف أو من خلال قراءته حركته والديكور واللغة المستخدمة وحركة الكاميرا، كل تلك الأمور تدفع بهذا النوع من البرامج الأكثر إنتاجًا، والأقل تكلفة، ليصبح البرنامج رقم واحد في رمضان.
تعددت الأسماء و الهدف واحد..
رغم حالة السخط التي ترسمها برامج الكاميرا الخفية، كل سنة إلا أن المنتجين لا يتوقفون عن الاستثمار في هذا النوع من البرامج، ولا يكترثون للملاحظات التي تصف “الكاميرا”بالرديئة والتي لا تستحق المشاهدة، فأرقام الإعلانات التي تتهافت على تمويل هذا النوع سريع الانتشار هو أكثر شئ يفتح شهية المنتجين للرفع من نسبة اللعب على مشاعر الناس والبحث عن مستويات عالية من استفزاز وتهديد الضيف، من أجل الخروج بصورة قاتمة، لكنها قادرة على تحقيق التميز على حساب القيم والمبادئ، وهكذا جاءت الكاميرا الخفية بعناوين مختلفة منها “رانا حكمناك” و”الحبس” و”اطفرت فيك” و”ردوا بالكم”، لتشكل أطباقًا من العنف الجسدي، واللفظي، والكلام الخادش للحياء.
تطرق أبواب المحاكم فكيف تكون”مخدومة”؟
يصعب الإجابة على السؤال الجوهري، إلى أي مدى يمكن اعتبار الكاميرات الخفية، قد أنجزت تحت الطلب وباتفاق الطرفين، فتباين ردود فعل الضحايا يعقد المسألة، حيث تعيش الساحة الإعلامية التونسية مشهدًا مشابها للحكاية التي عاشتها الجزائر السنة الماضية،عندما دشن المثقف، حملة تعاطف كبيرة مع الروائي رشيد بوجدرة الذي وقع ضحية الكاميرا الخفية، ما حرك سلطة ضبط السمعي البصري، ودفع بشخصيات بارزة للخروج إلى الشارع تضامنا مع بوجدرة، قبل أن يتقرر توقيف البرنامج.
في تونس وقعت الكاميرا الخفية التي يقدمها رائد هذا البرنامج الإعلامي رؤوف كوكا، جدلا كبيرا، وفتحت أبواب المحاكم لمعد برنامج الكاميرا الخفية الموسمة بـ”شالوم”، التي أمرت بوقف بث البرنامج، بعد أن كثرت الشكاوي واتسعت حالة الغضب، منها أسهم حادة وجهها إلى صدر هذا البرنامج، القيادي في حركة وفاء عبد الرؤوف العيادي، حيث قرر رفع دعوى قضائية ضد وليد الزريبي منتج الكاميرا الخفية “شالوم” التي وقع ضحيتها وواجه فيما يبدو تحديات كبيرة، وصلت إلى التهديد والقمع والابتزاز، من أجل تقديم حلقة مثيرة للغاية، وهو ما لم يعجب القيادي التونسي الذي لم يجد في الأخير إلا اللجوء إلى العدالة.
في مقابل ذلك لا يبدو صاحب أشهر كاميرا خفية عربية في السنوات الأخيرة، الممثل المصري رامز جلال، مكترثا بحملات التشكيك التي تحاصره كل سنة، فمعظم العناوين تتحدث عن زيف السينايو وتورط ضيوف هذا البرنامج في الكذب على الجمهور، ورغم ذلك لم تؤثر التعليقات بشكل كبير على انتشار البرنامج، وظل رامز يحافظ على الصدارة رغم الانتقادات والهجوم أو التشكيك في مصداقية البرنامج، حيث لم يترك المتابع أي تفصيل إلا واهتم به من أجل كشف خدعة الكاميرا رامز تحت الصفر، ويعري معركته الروسية، ومن بين أشهر حملات التشكيك التي واجهها رامز هذه السنة، تركيز البعض على طريقة نطقه للغة الإسبانية، والتي لم تكن في مستوى كافي بما يعكس شخصية المدير هيكتور كوبر التي تقمصها للإيقاع بضحاياه.
تسويق للكراهية و تلميع صورة مغني الملاهي
في الجزائر، فإن الملاحظ هذه السنة بالنسبة لبرنامج الكاميرا الخفية، هو تغيير مكان كرسي ضيف الأمس، الذي أصبح اليوم مقدما، فبعد أن كان مطربي الملاهي الليلية، أبرز ضيوف الكاميرا الخفية، تحولوا إلى رجال إعلام يقدمون برامج الكاميرا، ما أصاب المشهد السمعي البصري بلوثة حادة، شوهته في سبيل رفع نسبة المشاهد، وفي دفة ثانية، مضت مواضيع الكاميرا الخفية إلى أبعد من المتوقع، وتحولت إلى قضايا الأسرة الجزائرية، وقدمت مشاهد غير مألوفة عن المجتمع وعلاقة الأزواج، وفضحت ثقافة الكراهية المنتشرة بين أفراد العائلة الواحدة، لتكون الصدمة الكبرى التي جاءت بها عشرات الحلقات من برامج الكاميرا الخفية، بعنوان”عائلات جزائرية مشتتة”.
هكذا تمر سبع سنواتٍ كاملة،على فتح مجال السمعي البصري في الجزائر، ليكون الموعد كل سنة مع طقوس الكاميرا الخفية وغير المخفية، و لسان حال المشهد يقول: “في السب والشتم والإهانة فليتنافس المتنافسون”، فنسبة الشتائم والسب ظلت في تزايد مستمر من أجل تحقيق الربح السريع، وسواء كانت الكاميرا “مخدومة أو غير مخدومة”، لم تعد إلا حجابًا يخفي كل ما هو جميل، وتعري القبح في المجتمع والإعلام على حد السواء.