محمد حسن الصيفي
في هذه السلسلة يقدم لكم إعلام دوت أورج “أحد عشر كوكبًا” هم أعلام التلاوة في مصر والعالم الإسلامي، لم يخل بيت في مصر والعالم العربي من أصواتهم وتلاوتهم .. تجمعنا بأصواتهم ذكريات طويلة ومواقف لا تُنسى، نحاول الدخول إلى تلك المجموعة من الكواكب الساطعة التي أضاءت العالم من حولها من خلال تاريخ ومواقف سطروها بحروفٍ من نور.
لاشك أنك تعرفه، حتى وإن خانتك الذاكرة وأنت تستعيد اسمه، صاحب الصوت الوقور الهادئ، صوتًا مصريًا خالصًا.
وبغض النظر عن كونه حصل على الشهرة التي يستحقها أم لا، وسواء عرفته الأجيال الجديدة أم لا، يظل صوته يسكن قلوبنا، وتألفه أسماعنا، وتميزه عقولنا، ضيفًا خفيفًا محببًا على الجميع.
ولد الشيخ محمود علي البنا بقرية شبرا باص مركز شبين الكوم بمحافظة المنوفية 17\9\1926.
كان لحسن حظه أن أرسله والده لكُتّاب القرية قبل سن الخامسة، فما كان منه إلا أن حفظ القرآن الكريم قبل التاسعة ليصبح أصغر طفل يحفظ القرآن كاملاً في القرية.
بعدها وفي الثانية عشر من عمره قصد طنطا مصنع رجال دولة التلاوة، التحق بمعهدها الديني، وأخذ يدرس ويتعلم هكذا بمفرده بعيدًا عن أهله.
وفي طنطا تتحول الهواية لاحتراف، وتشتعل الرغبة والاحتراق للوصول إلى عتبات الكبار، وإلى الدخول إلى عالمهم المبهر المنير.
ففي طنطا في ذلك الوقت من الكبار محمد سعودي وعبد الفتاح الشعشاعي، فيذهب الطفل ليستمع إليهما، ينبهر من الرؤية وتتشبع روحه من أثرهما الطيب، وتمتلأ آذنيه بالكلمات ومخارج الحروف، ويعود منتشيًا، يردد ويكرر ويحاول تقليد هؤلاء العمالقة.
نرشح لك : أحد عشر كوكبًا (7).. الحُصري: المُعلم الذي لا يعرف الملل
وفي الطريق تأتي الأقدار بكل الخير دون تخطيط، حيث يلتقي الصبي بالشيخ إبراهيم سلام، شيخ المقرأة فيستأذنه لكي يسمعه وهو يتلو كتاب الله، فيفعل، وحين انتهى أثنى عليه فاندفع الصبي ينهل من العلم، فحفظ الشاطبية بتفسيرها، ثم قرأ عليه القراءات العشر، واستغرق ذلك نحو عامين كان قد ترك خلالهما المعهد الديني.
إلى قطار القاهرة
كانت الخطوة المنطقيّة بعد ذلك هي القاهرة، فبعد الصناعة يأتي العرض، حيث نصحه الشيخ بالذهاب إلى القاهرة للاستزادة من علوم القرآن والانخراط في عالم القُراء هناك وبالفعل.
فاقترب هناك من العمالقة؛ الشيخ محمد سلامة، الشيخ علي محمود، والشيخ طه الفشني، وبعدها ذهب إلى الشيخ درويش الحريري وهو بن السابعة عشر ليتعلم المقامات الموسيقية.
الوصول إلى الإذاعة
وصل الشاب إلى الإذاعة وهو لم يتخطى العشرين بعد تلاوة رائعة في جمعية الشبان المسلمين؛ وأثنى عليه المسؤلون من بينهم صالح باشا حرب رئيس الجمعيةـ وكذلك طلب منه محمد بك قاسم الحضور للإذاعة للإمتحان فحدث ما كتبه الله وأصبح الشيخ قارئًا مُعتمدًا بالإذاعة المصرية.
والبنا الذي ارتبك قليلاً في قراءته الأولى من فرط الرهبة اعتمدت عليه الإذاعة اعتمادًا كبيرًا بعد أن غضب كبار القُراء بسببه، فكيف يتساوى هذا الشاب في الأجر بفطاحل سبقوه بسنوات من العطاء والخبرة !
فأضربوا في محاولة لممارسة ضغط ما على الإذاعة يحرك الماء الراكد، فلم يتبق أمام المسؤلين غير الشاب محمود علي البنا يرفع الآذان على الهواء ويتلو في الافتتاح والسهرة فتوطدت محبته في قلوب المستمعين وازدادت يومًا بعد يوم، بينما لم يفلح الإضراب فيما رمى إليه، بل إنه رفع قدر القارئ الشاب ووضعه على الطريق الصحيح.
وبعد أن أصبح الشيخ له مكانته وسمع العالم صوته وبعد أن أصبح قارئًا للمسجد الحسيني بالقاهرة حيث طاف العالم شرقًا وغربًا يتلو القرآن ويلمس قلوب المحبين والمشتاقين لسماعه ومرات أخرى يذهب محكمًا في المسابقات وأخريات بدعوات من الملوك والرؤساء، فصار من أعظم سفراء القرآن الكريم.
كرمه الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بمنحه وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى 1990 في الاحتفال بليلة القدر.
توفي رحمه الله عن عمر يناهز الستين عامًا وذلك في العشرين من يوليو 1985