رباب طلعت
في “أرض الخلافة” هُناك في تلك البقعة الواقعة في قبضة شيطان التطرف، هل يوجد أُناس مثلنا؟ أم أنهم بضع قتلة؟ هل تُصيب سهام الحب والصداقة أفئدتهم. أم أنهم خلعوها قبل دخول محراب “داعش”؟ أسئلة كثيرة لا يتطرق لها أحد، فلا احتمالات، فالإرهابي تجرد من كل شئ حتى من الدين، الذي اتخذه ستارة لإراقة الدماء، واستباحة الأعراض، وتدمير المدن، وقتل الإنسانية، وضحايا أفكاره الملوثة، سواءً من ذوي ضحاياه، أو من قتلهم الحزن على الأبرياء لمشاعرٍ بشرية، لا يعرفها سفاحٌ باسم الدين، ولكن ماذا لو سُربت له؟ ماذا لو أحب؟
تلك الاحتمالية البعيدة عن تقبل “البشر العاديين” والمعاديين للإرهاب، والكارهين بلا هوادة لهم، غامر في طرحها صُناع مسلسل “السهام المارقة”، رؤية الداعية الإسلامي معز مسعود، وتأليف الأشقاء دياب -شيرين ومحمد وخالد- وإخراج محمود كامل، كمعايشة كاملة داخل أركان الدولة الداعشية، المُقامة على رفات الموتى، وبالرغم من صعوبة تقبل فكرة التعاطف مع الإرهابيين، حتى وإن عادوا من ضلالهم، إلا أن السياق الدرامي للأحداث، أجبر المشاهد على ذلك، وإن كان القصد منه هو الإشارة إلى أن كل المنضمين إلى أولئك القتلى مثلهم، فمنهم من ضل طريق البحث عن الله، وخُيل لهم كذبًا أنهم صعدوا للجنة، وتركوا ورائهم حياة “الكفار” وبلاد “الضلال”، وفتن “الدنيا”، وصدقوا أنهم يقيمون شرع الخالق.
الضحية والجلاد في قفصٍ واحد
في بداية الأحداث، ظهر أبطال العمل، كلٍ منه في دربٍ مختلف، تقاطعت في النهاية، في بقعة الظلام أرض داعش، فـ”شريف” هاني عادل، المخرج التلفزيوني، الذي ينقل جرائمهم على الهواء، يقع أسيرًا، في يد جندي داعش المخلص “عمار”، شريف سلامة، بعدما قُتل حماه، وهربت زوجته وابنته، ووقعت “مريم” القبطية، شيري عادل وابنها أسيران، للتحول لإحدى السبايا، في الدار التي تديرها “أم أبي” عائشة بن أحمد، وينتهي بها المسار أمة في دار “طلحة”، المحب للنساء، الذي وفرت له دولة الظلام الزواج من أربع سيدات بأبخس الطرق، وأيضًا ملك يمين، هي “مريم” التي خطفت قلبه، وتربطه علاقة صداقة قوية بـ”شريف” الذي أصبح “حذيفة” بعدما قرر افتداء رقبته بالانضمام لهم ظاهريًا، فيكافئون بالزواج عنوة من “أم أبي”، ويعمل الجميع تحت قيادة “عمار” الأكثر إخلاصًا وإيمانًا لأفكار “دولة الخلافة”، والأشد فتكًا بأعدائها، والأرق قلبًا أمام زوجته دياموند بو عبود، إحدى بطلات المقاومة الخفية لدولته.
الجميع بعد الحلقات الخمس الأولى أصبح في قفصٍ واحد، الماء والنار، الحب والكره، الاعتدال والتطرف، “مريم” المسيحية أسرت قلب “طلحة” السياف، و”شريف” لا يستطيع مقاومة تمرد زوجته على أفكاره، و”شريف” المخلص لزوجته، شغفه حب “أم أبي” بالرغم من أنها منهم، و”عمر” ابن “مريم” صديق “أبي”، والأخير أباه قتل أبرياءً كما فعل المجرمون في والد صديقه!
خسر الجميع وربح الحب
في منزلٍ واحدٍ، أي بنية واحدة في بناء دولة داعش، اجتمع الضدان، من مع الباطل، ومن مع الحق، الأول يرى الثاني خائن وكافر وأسير، والأخير يرى الأول سجان وقاتل وإرهابي، ولكنهم وقعوا جميعًا في الحب، جمعت بينهم قصص عشقٍ وصداقة ورسالة…
في منزل القائد “عمار”، الذي يخلع عنه شهوة القتل، بين يدي زوجته وحبيبته، تسارع هي من أجل المقاومة لدولته وأفكاره، تزرع بذرة الجهاد الحقيقي ضد دولة الظلام، ويبحث هو عن “الخونة” ليفتك بهم، فيكتشف أنها منهم، يغلبه الحب فيقرر أن يساعدها على الفرار، ولكن لا مفر، قطع عنقها السياف أمام عينه، وبرضاه، فماتت “داعش” وبقيت “المقاومة” في قلبه.
“مريم” قررت إشهار إسلامها كذبًا، لتخرج من منزل “طلحة” بعدما أصبحت حرة، فيقرر تطليق أولى زوجاته، ليظفر بها، ولكنها ترفض، يُصاب في إحدى غزواتهم الآثمة، تقطع قدمه، فتقرر الهروب من راغبي الزواج منها، بعقد قرانها عليه، بعدما تركته زوجاته الثلاث الباقيات، تناضل من أجل ابنها، وإخلاصها لزوجها بألا يقترب منها، ولكنها في النهاية تخضع.
“أم أبي” تقع في حب “شريف” أو “حذيفة”، زوجها المتعفف في الاقتراب منها، فهي إرهابية، وهو باحث عن الهروب من دولتها، ليصل لزوجته وابنته، لكنه يقع في حب “الجلادة”، التي تساعده على إنقاذ زوجته، وتتركها وابنتها تعيش معها، ومع محاولاتها للانتقام منه، فإنها تفشل، ويفشل هو في الهروب وترك ابنها يلقَ حتفه، فقرر مواجهة الإعدام من أجله، لأن الحب دائمًا ينتصر.
“عمر” ابن “مريم” القبطية، الذي قُتل والده أمام عينه من “الدواعش”، أصبح الصديق المقرب لـ”أبي” ابن واحدًا من القتلى الذين يتموا أطفال كُثر مثله، كلاهما أصبح على جبهتين مختلفتين، بعد انكشاف الحقيقة، يُصدم “أبي” وبتأثير حب “شريف” زوج أمه له عليه، يُصبح مقاومًا صغيرًا ورسامًا لرسومات الشيطان الذي يزعمون، ويتأثر عمر بأفكارهم، فيُتسبب في الإمساك بـ”شريف” والد “أبي” الجديد، ويقدم على قتله، لكن برائته تنتصر.
“طلحة” الذي أحبه “شريف” الذي قال له: “بحبك رغم انك قاتل”، يقطع بالأمر رقبة صديقه، انصياعًا لأولي أمره، ليموت “شريف”، وتبقى صداقته.
النور…
“السهام المارقة” ليس نوعًا من الدراما التي يمكن الحكم عليها في البداية، فيجب الوصول للحظات النهاية، كي تكتمل صورته، ففي الحلقات الأولى، يقع المشاهد بين سندان كرهه للدواعش، ومطرقة التعاطف الدرامي معهم، ولكن بعد اقتراب تمام حلقاته، يخرج منه مكدسًا بالأمل أن يخرج منهم “إنسان”، ويُخلق من رحم ظلماتهم النور -ثورة القضاء عليهم- بعدما يُسقى أعوانهم “المضحوك عليهم” من كأس ظُلمهم.
فخلال تقلبات الأحداث، صار القائد “عمار” أشد جنود “أرض الخلافة” قسوة، حاميًا للمقاومة، التي ذُبحت زوجته من أجلها، فذاق مرارة “الفقد”، وخرج من داخله نور الثورة على من كان منهم.
أما “أم أبي” أضعف انتمائها لأفكارهم العقيمة، حبها لـ”شريف” الذي أزال قتله من أجل ابنها من على عينها غشاوة التطرف، واستبدلت شعارهم الأسود، بصورته التي رسمها ابنها له، والتي كانت تسميها من قبل بـ”رسومات الشيطان”.
“رسومات الشيطان” تلك، هي من نجح من خلالها “شريف”، في التأثير على “أبي” وتغيير فكره المتطرف للاعتدال، وأصبحت وسيلته لكسب ود “عمر”، وكذلك ورثتها “جويرية” ابنة “عمار” من أمها، التي أشعلت نار الثورة من خلالها برسم الجداريات، فأصبح “عمار” يشجعها عليها، ويستخدمها لمتابعة مسيرة زوجته، بعدما كان يقتل من يرسمها.
“عمر” ابن “مريم” الذي تأثر بأفكار “داعش” وأصبح منهم، حتى أنه سلم صديقه الوحيد “أبي” لهم ليقتلوه بسبب “رسومات الشيطان” التي كان يشاركه قراءتها، وفشلت والدته وصديقه في ردعه عن طريقه، فرغبته في “القتل” وتحوله لـ”داعشي” جاء تأثرًا بما قاله له زميل دراسته، بأن “ابن الجارية لا يصبح قائدًا”، فكرهها وأصبح يناديها بـ”الكافرة”، اختبأ في أحضانها بعدما انتصرت فطرته في النهاية ولم يستطع قتل “شريف”، وحسم أمر تطرفه بقوله: “أنا زي بابا”، في إشارة إلى أنه مسلم “حقيقي” وليس مثلهم، كما كانت تقول له “مريم”.
وأخيرًا “طلحة” خسر ما انضم لأجله لـ”داعش” وهو النساء بسبب بتر قدميه، وعدم قدرته على الزواج مرة أخرى، ترك له صديقه “شريف” الذي قتله بيديه، تنفيذًا لأوامرهم، ورقة برقم من يساعده على الهروب من أفكارهم، لأنه يحبه ويريد له النجاة.