ليه ممكن تشجع الأرجنتين في كأس العالم؟

محمد حمدى سلطان

يجب أن نوضح فى البداية أن الدعوة لتشجيع الأرجنتين فى المونديال، أو أى منتخب آخر، هو أمر طبيعى ومعتاد أثناء البطولات الكبرى بين جماهير الكرة فى العالم كله، وليس للأمر أى علاقة بأن يكون انتماؤنا الأول والأخير، وتشجيعنا الصادق والمخلص لمنتخبنا الوطنى بالطبع، والذى ننتظر متلهفين ظهوره المونديالى بعد غياب طويل جدًا. هذه المقدمة لا بد منها حتى لا نترك فرصة للمزايدين وهواة الصيد فى الماء العكر. وبما أننا قد انتهينا ولله الحمد من توضيح هذه الجزئية، فلندخل على الفور فى صلب موضوعنا الأساسى وهو “ليه ممكن تشجع الأرجنتين فى كأس العالم؟”.. أنا اقولك.

 

1- لأنها الأرجنتين.. فهى لا تحتاج أصلاً لسبب لكى تشجعها، فتشجيع الأرجنتين من منطق الحياة، وبديهيات كرة القدم، فكل من يحب الجمال، ويقدس العظمة، سيفتن براقصى التانجو.

2- لو كنت زملكاويًا فالأرجنتين تتشابه مع الزمالك فى كونها فريقًا عظيمًا على المستوى الفردى، لكنه بائسًا جدًا عندما يتعلق الأمر بالجماعية. وعلى مر العصور لطالما امتلكت الأرجنتين – والزمالك أيضا – العديد من اللاعبين العظماء لكنها غالبًا ما تفشل فى الاستفادة بهم على قدر موهبتهم الحقيقية، وهذا أحد الألغاز الكروية المزمنة والمستعصية على التفسير. أما لو كنت أهلاويًا فهى فرصة لا تعوض كى تخوض تجربة مختلفة وتجرب إحساس جديد وتعرف يعنى إيه كرة جميلة.

3- إذا كنت مشجعًا برشلونيًا عتيدًا، أو أصبحت تعادى كل ما هو مدريدى منذ واقعة راموس مع صلاح، فيجب أن تعلم أنه لا يوجد مشهد قد يصيب جماهير ريال مدريد بالقهر مثل رؤيتهم لليونيل ميسى وهو يحمل الكأس الأغلى ويتوج بطلاً لكأس العالم.

4- لنفس السبب السابق تقريبًا، فإذا كنت تريد أن تتشفى أو تشمت فى كريستيانو رونالدو، فبالتأكيد هو لن يكره أى شىء فى العالم مثل كراهيته لرؤية ميسى وهو بطلاً للعالم. سيبقى هذا المشهد كابوسًا يؤرق مضجعه حتى آخر لحظة من حياته.

 5- باستثناء منتخب إنجلترا – اللى إيدك منه والقبر – ومنتخب هولندا الجميل المنحوس، والذى فشل فى التأهل لمونديال روسيا، وسنفتقد بالتأكيد لحضوره المميز وكرته الجميلة. باستثناء هذان المنتخبان الكبيران، فجيل مواليد التمانينات – والذى أنتمى إليه – رأى كل المنتخبات الكبيرة وهى تتوج بكأس العالم. فمن كان صغيرًا عندما فازت البرازيل ببطولة 94 رآها بالتأكيد وهى تحصد لقب 2002. ومن لم يكن واعيًا لفوز الماكينات الألمانية بلقبها الثالث عام 90 رأى وتابع ما فعلته ألمانيا فى المونديال السابق واكتساحها للجميع. وفرنسا شاهدناها وهى تحقق المجد الذى طال انتظاره عام 98. ثم رأيناها مجددًا وهى تخسر نهائى 2006 أمام الطليان الذين حققوا لقبهم الرابع تاريخيًا والأول الذى يعاصره جيلنا. حتى أسبانيا شاهدناها وهى تحقق ما يشبه المعجزة وتفوز بكأس العالم لأول مرة فى التاريخ عام 2010 فى جنوب أفريقيا. لم يعد باقيًا سوى الأرجنتين التى كان لقبها الأخير عام 1986 والذى تحقق بفضل امتلاكها للأسطورة الخالدة دييجو أرماندو مارادونا. فالفرصة الوحيدة المتاحة – والقابلة للتحقق – أمام جيلنا ليشاهد بطلاً جديدًا هى أن تفوز الأرجنتين وصيف النسخة السابقة، بلقبها المونديالى الثالث فى روسيا، وهو ما يجب أن يحدث إذا سارت الأمور فى سياقها التاريخى المعتاد.

6- فى حالة فوز ميسى بلقب كأس العالم، ستكون هناك أزمة بشأن جائزة الكرة الذهبية للاعب الأفضل فى عام 2018. سيصاب الجميع بالحيرة فهل يعطوها لرونالدو الفائز بدورى الأبطال مع ريال مدريد أم لميسى المتوج باللقب المونديالى. ومن الوارد فى هذه الحالة ومن باب البعد عن “وجع الدماغ ” أن يتم إعطاء الجائزة لابننا محمد صلاح لتصبح بطولات قوم عند قوم فوائد.

7- كان من المفترض أن تلعب الأرجنتين مباراة ودية مع إسرائيل منذ أيام قليلة، ولكنها أُلغيت بسبب تظاهرات فى فلسطين وبوينس آيرس احتجاجًا على نقل المباراة للقدس. وأيضا بسبب تلقى ميسى لتهديدات بالقتل لو لعب هذه المباراة وتضامن زملاؤه معه ورفضوا اللعب فأُلغيت المباراة. لكننا هنا فى مصر وفى المنطقة العربية عمومًا سنعتبر هذا الرفض تضامنًا مع القضية الفلسطينية ورفضًا للتطبيع مع الكيان الصهيونى. حبًا منا فى الأرجنتين وشعب الأرجنتين وفى الأخ المناضل الرفيق ليونيل ميسى.

8- قد نتفق على رفض الطريقة الدفاعية المتحفظة جدًا التى يلعب بها هيكتور كوبر المدير الفنى لمنتخب مصر. لكن يجب ألا نبخس الرجل حقه فهو سبب رئيسى فى تحقيق حلم الوصول للمونديال، فإذا كنت لم تقتنع بأى من الأسباب السابقة فلديك سبب إضافى لتشجع الأرجنتين من باب الوفاء ورد الجميل للمدرب الأرجنتينى العجوز اللى بقى فيه بينا وبينه عشرة و “فتة” وذكريات كروية لا تنسى، ومن الطبيعى أن نتمنى لبلده كل خير، طبعا باستثناء حالة واحدة وهى أن يتواجه المنتخبان المصرى والأرجنتينى. ساعتها بقى يا روح ما بعدك روح.

9- لكى ينتهى الاحتكار الأوروبى للقب كأس العالم، فالبطولات الثلاثة الأخيرة فازت بها على الترتيب : إيطاليا وأسبانيا وألمانيا. وهو ما يحدث للمرة الأولى فى تاريخ كأس العالم، الذى كان يتم الفوز به بالتبادل بين القارة الأوروبية وقارة أمريكا الجنوبية، وكان الإنجاز السابق لأوروبا فى فوز إيطاليا بلقبين على التوالى فى 34 و 38 وهو نفس ما فعلته البرازيل عامى 58 و 62. قد يقول أحدهم ولماذا لا تفوز به البرازيل لتنهى هى الإحتكار الأوروبى وتعيد التوازن بين القارتين مرة أخرى ؟ فهى أيضا من قارة أمريكا الجنوبية وفرصها منطقيًا تبدو أكبر من الأرجنتين. وهو ما سوف أرد عليه ببساطة، وأطلب منه أن يعود لقراءة النقطة رقم 5.

10- لأن عدم فوز لاعب أسطورى مثل ليونيل ميسى بلقب مونديالى واحد على الأقل، يعتبر إهانة للمنطق وللجنون وللعقل والواقع والخيال ولكل شىء. إهانة للموهبة وللإبداع والجمال، وانتصارًا للحظ والقبح والعبث. يستحق ميسى أن يفوز ببطولة عظيمة مثل كأس العالم ويستحق كأس العالم أن يفوز به لاعب عظيم مثل ميسى.