محمد علال
يَدخل المخرج الجزائري رشيد بوشارب قريبا، في مرحلة تصوير مغامرة سينمائية روائية طويلة جديدة، تغوص في دهاليز سنوات العشرية السوداء،
يراقب فيها المخرج حركة يد الكراهية التي امتددت إلى كل ما هو جميل في الجزائر، سواء في الفن و العلاقات الإنسانية، و كيف باتت السينما محاصرة و محاربة، و سقط الإبداع و الفن رهينة حصار العقليات المتحجرة.
نرشح لك: وليد علاء الدين يكتب: واقعة “محمد الشناوي” ثقافيًا!
في مقابل ذلك يَحكي بوشارب إصرار بعض الجزائريين في مواجهة الظلام، و يرفع القبعة لعشاق للفن السابع،الذين استمروا في عرض الأفلام ،بقاعات السينما بالجزائر، خلسة و بعيدا عن أعين الجماعات الإرهابية.
بناءً على هذه الرؤية الإخراجية الجديدة التي يقدمها بوشارب، وافق صندوق دعم صناعة وتقنيات السينما الجزائري “أفداتيك”، على دعم و تمويل التجربة السينمائية، و من المقرر أن يدخل بوشارب، يشارك في الفيلم كوكبة من الفنانين الجزائريين و العرب، على رأسهم الممثلة الفلسطينية هيام عباس التي ستكون حاضرة لأول مرة في عمل لبوشارب،كما يشارك الممثل الجزائري فوزي صايشي -سبق و أن شارك معه في أربعة أفلام في أداور ثانوية-،و قرر هذه المرة أن يمنحه شرف تجسيد أحد الأدوار الرئيسة في الفيلم.
يحكي الفيلم قصة مواطن، يعمل في إحدى قاعات السينما بالجزائر، يقضى أوقاتاً طويلة في مشاهدة الأفلام العالمية و الجزائرية، بعيدا عن أعين الكراهية التي كانت تترصد حركات كل من يُرافع لصالح الفن. في ظروف أمنية صعبة كانت تعيشها الجزائر ، تجاوزت الظلمة حدود قاعة العرض، و اتجهت للتعتيم على كل ما هو جميل، و دفعت بعشرات المخرجين الجزائريين الذين يعرفهم بوشارب عن قرب، نحو قرار الهجرة، فيما قاوم تلك الظروف عدد قليل جد، وفق هذه المعادلة فجر بوشارب، عدة أسئلة لم تتناولها السينما من قبل،و اختارها مادة لعمله الجديد، مستلهما الحكاية من قصص حقيقية تعكس الوضع الأمني الصعب في التسعينيات.
قام بوشارب، بكتابة سيناريو هذا العمل منذ حوالي عشر سنوات،و قد تقدم به إلى لجنة القراءة بالجزائر عام 2015 للمطالبة بالدعم،و قد تقرر هذه السنة،إعطاء الضوء الأخر لبوشارب من أجل تصوير الفيلم،على أن تكون الجزائر المنتج الرئيسي، و يتوقع أن يكون العمل سببا في عودة بوشارب، إلى سباق المهرجانات الكبرى التي غاب عنها طويلا، على غرار “مهرجان كان”، حيث يحمل الفيلم ملامح إنسانية في زمن هش كانت تعيشه الجزائر،و هي وجهة نظر مخرج ينتمي لقائمة طويلة من المخرجين الفرنسيين ذو الأصول العربية، المغضوب عليهم في فرنسا رغم رصيدهم الفني العريق.
من ناحية الإنتاج، تعتبر ميزانية العمل واحد من الأفلام المتواضعة جدا في تاريخ المخرج،حيث اعتاد بوشارب على تصوير أعمال ضخمة بميزانيات كبيرة على غرار فيلم”الخارجون عن القانون” عام 2010، الذي أنتج بميزانية ضخمة تعدت 22 مليون دولار ، بدعم من الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي، و فيلم “طريق العدو” الذي صوره بالولايات المتحدة بمشاركة النجم فورست ويتكر، وهي أفلام من إنتاج جزائري، حاولت أن تحجز مكانا للسينما الجزائرية في الساحة السينمائية العالمية،و لكنها لم تحقق أرقام التوزيع المبهرة.و هو ما أعلن عودة بوشارب إلى تصوير الأفلام بالميزانيات المنخفضة نسبيا،تماشيا مع السياسية الجديدة لوزارة الثقافة الجزائرية، التي حددت سقف 3 مليار سنتيم لتمويل ودعم الأفلام الروائية الطويلة من صندوق، و 300 مليون سنتيم بالنسبة للأفلام القصيرة.
يأتي تصوير رشيد بوشارب” 64 سنة”، لهذا الفيلم الروائي الطويل الخامس عشر في مسيرته الإخراجية، بعد إنجازه “ثلاثية” الأفلام التي ركزت على الإسلامفوبيا بداية من فيلمه “مثل إمراة” عام 2012 بطولة النجمة البريطانية سيينا ميلر، و فيلم”نهر لندن “، وصلا إلى فيلم” طريق العدو”،و قد انطلق بوشارب في تصوير تلك الأفلام الثلاثة بالولايات المتحدة، بعد 3 سنوات من فليمه “الخارجون عن القانون” الذي نافس على السعفة الذهبية و رشح للأوسكار،قبل أن يتسبب في خروج بوشارب من فرنسا،متجها إلى الولايات المتحدة، للبحث عن آفاق جديد،بعد الهجوم الذي تعرض إليه من طرف اليمين الفرنسي المتطرف الذي اتهمته بالنبش في تاريخ فرنسا الكولونيالي في الجزائر.
الملف للنظر في هذه العودة ،بهذا بهذا العمل الذي لم يستقر على عنوان نهائي له ، أنها تأتي في وقت لم ينتهي المخرج من وضع الروتشات الأخيرة لفيلمه البوليسي الكوميدي “شرطي بلفيل” الذي تدور أحداثه بين باريس و ميامي،حيث تأخر موعد طرح الفيلم عدة مرات،بعد أن كان مقررا عرضه السنة الماضية،وسط حالة من الترقب، حيث يحمل هذا الفيلم نكهة خاصة و مختلف في مسار مخرج فيلم”الطريق إلى اسطنبول”،فقد قرر بوشارب رسم لوحدة كوميدية تحكي قصة شرطي – جسد دوره،المثل الفرنسي “عمر سي”- ، يعمل في مدينة “بلفيل” الفرنسية، والدته جزائرية -تجسد دورها الممثلة الجزائرية بيونة-.