يقولون في هوليوود عند الإشادة بمخرج هذا “المخرج” يعرف كيف يروي أفلامه، وذلك عندما يُذكر أسم عدد من مخرجيها المبدعين مثل “نولان”.
من المهم جدا أن يملك المخرج القدرة على رواية سيناريو فيلمه للجمهور من خلال شاشة السينما بطريقة مشوقة وممتعة تجعله يظل جالسا مكانه دون كلل أو ملل وأيضا يخرج “فاهما” ما قصده الفيلم.
الفيلم صاحب القصة المثيرة “جدل ال24ساعة” لمنع العرض “كارما” هو من تأليف وإخراج خالد يوسف العائد للسينما بعد غياب “طويل” نحو سبع سنوات من الغياب الإختياري انشغل عقله بالسياسة وأحداث مصر العصيبة، باختصار هذا المرة لم يعرف خالد يوسف كيف يروي أحدث أفلامه “كارما” خاصة على مستوى السيناريو .
نرشح لك : أحمد فرغلي رضوان يكتب: “قلب أمه”.. لعنة الانفصال لا تزال قائمة!
ربما المرة الأولى في تاريخ خالد يوسف السينمائي التي يتذيل فيها شباك تذاكر الإيرادات رغم انه كان يعرض أفلامه في مواسم “منافسة” أصعب كثيرا من الموسم الحالي، شاهدت الفيلم مرتين في داري عرض مختلفتين وفي المرتين كنت أسمع تعليقات الجمهور عن شعورهم “باللخبطة” وعدم معرفة ما يقصده الفيلم!
اختار المخرج خالد يوسف موضوعا شائكا وصعب طالما حاولت السينما المصرية الإقتراب منه بحذر شديد وهو الحديث عن الدين ومفهومه لدى المصريين مرورا بالعلاقة بين المسلمين والمسيحيين في محاولة منه للخروج عن الصورة النمطية التي ظلت تظهر في السينما والدراما المصرية وربما من باب “الحيادية” إختار ان يكون البطل واحد “عمرو سعد ” للشخصيتين وطني وأدهم وإن كانت أحداث الفيلم جعلت الجمهور يشير لتشابه شخصية “أدهم” مع شخصية رجل أعمال مصري في الحقيقة!
ممكن القول ان خالد نجح في تقديم أحد البطلين “وطني” وعائلته المسيحية بتفاصيل حياتهم بشكل جديد في السينما المصرية في حين جاءت الشخصية المقابلة له رجل الأعمال “أدهم” بشكل نمطي ومكرر حتى في جمل الحوار بينه وبين موظفيه وتفاصيل حياة رجال الأعمال الأثرياء، وحتى على مستوى الديكور والصورة كانت مميزة أكثر في الحي الفقير.
الفيلم تنطلق أحداثه من قضية قديمة ظهرت في عهد نظام “مبارك” عن محاولة رجال أعمال شراء الحي الفقير الذي يطل على نيل القاهرة ما يعرف “بمثلث ماسبيرو” سواء برضا أصحاب العقارات أو بمحاولات غير قانونية للاستيلاء على هذا الكنز العقاري! وهي قضية أصبحت لا تشغل بال الجمهور الأن، ولكن كعادة خالد يبحث دائما عن إثارة قضايا المهمشين والعشوائيات رغم ان هناك قضايا أخرى آنية ظهرت في السنوات الأخيرة كان ممكن طرحها بالفيلم.
فكرة الفيلم جيدة عن تبادل الأدوار بين الغني والفقير وكان ممكن تقديم فيلم إنساني “كوميدي” بعيدا عن الحديث بهذه المباشرة عن قضايا فساد حكومات ورجال الأعمال والوصول لقضية “التنصير” او العكس وبالفعل أزعج الجمهور مشاهد الدماء والقتل التي أختلطت مع عبارات “دينية” لم يكن هناك داعي على الإطلاق للوصول لتلك المشاهد التي تثير حساسية لدى البعض هنا وهناك، وبالفعل كانت هناك أصوات عبر السوشيال ميديا تعلن عن غضبها من الصورة التي ظهر عليها البطل المسيحي وعائلته!
جملة مشاكل لم يحتملها المشاهد داخل صالة العرض ولم يستطيع الفيلم توصيلها له “بسلاسة” رغم وصول مدة عرضه لنحو ساعتين ونصف! ولذلك كان من الأفضل إسناد السيناريو والحوار لشخص أخر ويكتفي خالد يوسف بالاخراج والانتاج! ولكن خالد يوسف الكاتب وبمساعدة في السيناريو من محمد رفيع أراد وضع كل الأفكار والقضايا في هذا العمل!؟ لدرجة ان بعض الجمل الحوارية التي جاءت على لسان بعض الممثلين طالما كررها خالد يوسف “الإنسان” كثيرا، ويصل الفيلم لمشهد نهاية كان لا ضرورة له وهي قتل الخال لوطني بعد أن اعتنق الإسلام!! لماذا الدماء والحديث بهذه المباشرة عن تلك القضية.
الفيلم به عدد لا بأس به من المشاهد الغير “مقنعة” مثلا مشهد الأكشن الوحيد في الفيلم جاء “كارتونيا” وتقليدي جدا! بعد أن تحولت الوجه الجديد الممثلة “سارة التونسي” فجأة لعمرو ماجيفر وأنقذت حياة رجل الأعمال أدهم ليقع في حبها! وللأسف لم تكن مقنعة في تجسيد شخصية من المفترض انها ضمن البطولات النسائية المؤثرة بالفيلم!
كذلك مشهد أدهم عندما دخل إلى الحارة ويشتبك مع البلطجية! ولا نعرف ما الذي يجبره على الجلوس في هذا الواقع المستحيل بالنسبة له! واللافت ان “وطني” شاهدناه مكانه في المستشفى بذقن حليق عكس ما بدى عليه مظهره طوال الفيلم واثناء الحادث من وجه غير نظيف وبائس ومهموم، أيضا كيف يتحول “وطني” الشاب المعدم لرجل أعمال مدرب ويفهم في إدارة إقتصاد بالمليارات! كذلك كيف سامحت “نهلة” “أدهم” الذي كان يريد قتلها بهذه السرعة دون عتاب! لنجدها مستمرة في إدارة أعماله وكأن شيئا لم يكن!
عمرو سعد نجح جدا في تقديم شخصية “وطني” الشاب البسيط الباحث عن حلم الثراء وسط عشوائيات القاهرة القديمة حيث يعيش مع أسرته الفقيرة وتجاوب معه الجمهور طوال مدة الفيلم وكان موفق جدا في تمثيل تفاصيل الشخصية حتى في لهجة الكلام للصعيدي القاهري! على العكس جاءت شخصية أدهم لم يقنعني بكونه رجل الأعمال العالمي.
اما غادة عبدالرازق فلم يكن لها حضور يذكر ولا أعرف كيف قبلت هذا الدور ! أم انه تغير أثناء التصوير!
اما البطلة الثانية في العمل “زينة” ربما يكون ذلك أفضل ادوارها كممثلة في السينما بجانب واحد صفر وبنتين من مصر وكان حضورها لافت مع شخصية “مدينة” و ايضا مثل عمرو سعد مع “وطني” أضفت خفة ظل محببة للشخصية إلى جانب دلال عبدالعزيز.
اما أضعف ظهور للممثلين في الفيلم فكان لكتيبة الإعلاميين يوسف الحسيني وخالد تليمة وعمر زهران! اقول لهم، لماذا ؟
نرمي الناس في النيل!
السينما التي تقدم للجمهور خاصة في موسم الأعياد صعب أن تحمل رسائل سياسية مباشرة ممكن أن يكون مكانها مقالات الصحف.
نرمي الناس في النيل ، الناس هي الدولة، الأرض دي نصيب الفقراء من الدنيا، وماذا سيضر المسيحية لو واحد خرج وكذلك الإسلام !عبارات كثيرة جاءت على لسان الممثلين لم يستوعبها الجمهور وتتخيل أن النائب خالد يوسف هو من يتحدث في البرلمان وهو ما ظهر ضمن لقطات الفيلم!
مثلا لو نظرنا لسينما يوسف شاهين نعم كان يقدم أفكارا سينمائية غير مألوفة وصعبة الفهم لكنه كان يقدم لوحات فنية غاية الروعة سينما ممتعة”بصريا” يقدم عناصر فنية مبتكرة في كل عمل.
في كل الأحوال هي محاولة سينمائية يعود بها خالد بوسف بعد غياب وننتظر تجربة أخرى أكثر قربا من الجمهور وبدون “زحمة” أفكار وقضايا!