كشفت التجربة الفاشلة للمنتخب المصري في كأس العالم عن الكيفية التي تجري بها الأمور في بلدنا، حيث وضعنا التمثيل غير المشرف، والخروج المهين، والخسارة الثقيلة، أمام المرآة، في مواجهة أنفسنا لنرى العشوائية، وسوء الإدارة، والتخبط، وغياب الاحترافية، بداية بالصراع على المصالح الشخصية، مرورًا بعدم الجدية وعدم تحمل المسئولية، وانتهاء بسوء الاختيار وغياب الرجل المناسب عن المكان المناسب.
إطلاقا ليس حديثنا عن تحليل فنيات إدارة المباراة، أو التعليق على التكتيك العقيم الذي أدى به منتخبنا وإنما بهدف استخلاص الدروس للاستفادة منها مستقبلا وعدم تكرار الأخطاء، إن كانت لدينا النية ألا نكرر أخطاءنا.
أولا: مثّل محمد صلاح “البطل” و”صاحب الأمل” للمصريين بعد أن افتقدوا بطلهم السياسي الذي تراجعت شعبيته لأسباب لا مجال لذكرها هنا، وحملت أقدام صلاح لهم الفرحة في وسط حالة من الكآبة تسببها الظروف الاقتصادية، والأوضاع السياسية والاجتماعية التي يعيشها بلدنا، وكان الوصول إلى عُرس الكرة العالمية أملهم للشعور بالفخر، والحقيقة أن المنتخب نجح في جمع المصريين تحت راية وطنية واحدة، بعيدا عن الشرخ السياسي المعروف.
ثانيا: كانت حالة السُخط الشديد من المصريين تجاه اللاعب سيرجيو راموس الذي تسبب في إصابة “أملهم وبطلهم”، وما صاحبها من هجوم كاسح على صفحته على فيسبوك، بألفاظ نابية مبالغ فيها، كانت تلك الحالة في ظاهرها انتقاما لصلاح، ولكنها حملت في باطنها حالة من “تفريغ الهمّ” و”الانفجار” في وجه من حاول سلبهم السعادة التي يتشوّقون إليها، والأمل الذي يتعلقون بأهدابه.
ثالثا: “عقدة الخواجة” التي جعلتنا نُبقي على الأرجنتيني كوبر مديرا فنيا للمنتخب، رغم ضحالة العروض التي قدمها المنتخب، وسوء نتائجه، وقلة أهدافه، واعتماده على لاعب واحد في الأساس، كلها مؤشرات كانت كافية لنستغني عن هذا المدير الفني منذ فترة مبكرة؛ لنبحث عن مدرب وطني أثبت جدارته في تجاربه السابقة، وأثبت أنه قادر على تحقيق انتصار كبير بأداء مشرف، مدرب يُذكرنا بالتجربة الناجحة في الأعوام بين 2006 و 2010 وما تخللها من اللعب في كأس القارات.
رابعا: الهمس، والأخبار المبالغ فيها، أو المفبركة، أو مجهولة المصدر، التي أحاطت بمعسكر المنتخب، بداية بالهرج والمرج في فندق اللاعبين، والسماح بزيارة فنانين وإعلاميين لهم، وبيع تذاكر أسر اللاعبين لحساب اتحاد الكرة، وإعلان صلاح الاعتزال يوميا، كلها “قيل وقال” نِتاج غياب الشفافية التي هي إحدى أشكال سوء الإدارة وعشوائيتها، وعدم قدرة الاتحاد على إدارة الأزمة، بل ومشاركته المباشرة في صناعتها، وكم كنت أتمنى أن يصدر الاتحاد بيانا رسميا يوضح لنا حقيقة الأمور بدلا من أن يتركنا نهبا للشائعات والاجتهادات، احتراما لعقول المصريين، وتقديرا للأموال التي تم إنفاقها على اللاعبين والمعسكر في ظل إجراءات حكومية تلزم المواطن العادي بـ”ربط الحزام”.
خامسا: سفر وفد من الإعلاميين والفنانين لتشجيع المنتخب على حساب شركة الاتصالات المملوكة للدولة هو بمثابة “إهدار مال عام” في ظل سياسة تقشف تتبعها الحكومة، ومطالبات بالصبر والتحمل يكررها الرئيس، ثم نجد دافع الضرائب يتكفل بسفر هؤلاء، ولا نعرف على أي أساس تم اختيارهم، ولا حجم ما تم إنفاقه على سفرهم وإقامتهم التي اعترف بها أحدهم في فيديو شاهده الجميع!
كلها أسئلة بحاجة إلى فتح تحقيق عاجل بواسطة النيابة العامة أو هيئة الرقابة الإدارية بأمر من رئيس الجمهورية أو وزير الشباب والرياضة على الأقل؛ لتتم معاقبة المخطئ ومكافأة المُصيب، أتمنى من السيد رئيس الجمهورية أن يستقبل أبطال الذهب والفضة والبرونز في دورة ألعاب البحر المتوسط بالورود والتكريم، وأن يستقبل وفد المونديال بالتحقيق ثم بالعقاب للمتورطين، هذا إن أردنا ترسيخ قيمة الثواب والعقاب؛ حفاظا على ما تبقى من سمعة ومكانة هذا البلد الذي انكشفت عوراته أمام المرآة..!