جمال أبو الحسن
نقلاً عن المصري اليوم
قصة رضا عبدالعال مع كأس العالم صارت ظاهرة. الظاهرة تتجاوز الفكاهة وتدخل فى مجال الجد. بل هى تتجاوز الكرة إلى مختلف أوجه نشاطنا وطرائق عملنا، وأساليب اتخاذ القرار فى بلدنا. هل فى الأمر مبالغة؟، ربما، ولكن المبالغة مطلوبة أحياناً لإبراز المُراد والمعنى المقصود.
وأصل الحكاية، لمن لا يعرفها، أن «رضا عبد العال»، لاعب الكرة الشهير الذى تستضيفه القنوات الرياضية مُحللاً، أصبح فجأة نجماً على صفحات السوشيال ميديا. تناقل الناس تنبؤاته لنتائج المنتخب المصرى فى كأس العالم بعد أن ثبت صدقها على نحو عجيب. الرجل أصرّ، فى أكثر من لقاء، على أن فريقنا لن يصعد الدور الثانى فى كأس العالم بهيئته هذه، وطريقة لعبه تلك. بل بلغت به الثقةُ فى صدق تقديره أن قبِل رهاناً على الهواء. قال إن فريقنا لن يتعادل حتى فى مباراة واحدة!.
ما وزن «رضا عبد العال» كمحلل كروى؟، لا أعرف على وجه اليقين. ربما كان هناك من هو أفضل منه. على أننى أعرف يقيناً أن قلة قليلة فى مصر اليوم هى التى تستطيع التعبير عن رأى مناقض للتيار السائد فى أى مسألة من المسائل، بهذا الوضوح وبتلك الصراحة. «عبد العال» عرض رأيه بلُغة بسيطة أقرب إلى كلام العوام. مع ذلك كانت رسالته واضحة وقاطعة. هو قال إننا إن طريقة اللعب ومستوى اللاعبين لن يذهبا بنا بعيداً فى كأس العالم. وبدا حديثُه نابعاً لا من شماتة أو استهزاء، بل من رغبة فى إصلاح الأوضاع قبل فوات الأوان.
عاد الناسُ إلى تنبؤات «عبدالعال» من باب الكوميديا وجلد الذات بعد الهزائم المُتتالية. غير أن الظاهرة كلها تطرح تساؤلاً بسيطاً: كم «رضا عبدالعال» آخر صامتا حولنا؟، كم «رضا عبد العال» يعرف، بحكم الخبرة والتجربة، ولكنه يؤثر السكوت؟، لماذا يصمت أمثال «عبد العال» فى كافةِ المواقع؟.
نرشح لك: ياسر أيوب يكتب: ماذا بعد الخروج المخزي من المونديال؟!
فى فيلم «موت ستالين» (إنتاج 2017) مشهدٌ بديع، مفعمٌ بالكوميديا السوداء. أعضاء اللجنة المركزية يصوتون على مسألة من المسائل، بينما أحدُهم – الوزير «مولوتوف»- يعرض أوجه القضية المختلفة. وكلما مال عرضه إلى الإيجابية ترتفع الأيادى المرتعشة للأعضاء الباقين وكلٌ منهم ينظر بحذر وخوف إلى زملائه. ثم يتجه كلامه إلى منحى سلبى وهو يعرض وجهاً آخر لنفس القضية، فتنخفض الأيادى بسرعة، قبل أن تُعاود الارتفاع فى تردد كلما تغير اتجاه كلام المتحدث. كل عضو يُحرك يده وهو يترقب سلوك الآخرين وردود فعلهم، مُشفقاً من أن يكون وحيداً. فى أجواءٍ كهذه لا يتحدث الناسُ برأيهم، ولكن بما يتوقعه الآخرون منهم. لا ينصب التفكير على الرأى نفسه ومدى حُجيتِه، وإنما على التبعات المحتملة لإبدائه. الحسابات والمصالح والأهواء والمخاوف تتحكم كُلياً فى الآراء. المحصلة هى إغلاق كل طريق محتمل أمام تفادى كارثة أو تجنب الانزلاق إلى هاوية.
فى كرة القدم جميع المصريين محللون لا يُشق لهم غُبار. لهم رأى وموقف وتصورٌ متكامل عما كان وما ينبغى أن يكون. الحوارات فى كرة القدم مفتوحة. إبداءُ الرأى، بعكس الحال فى مجالات أخرى، متاحٌ من دون قيود. لذلك تشهد الساحةُ الكروية دوماً آراءً مختلفة وجدلاً وصداماً. لهذا السبب أيضاً استطاع «رضا عبدالعال» التعبير عن موقفه بوضوح، مُستعيناً – فى الأساس- بالخبرة وبحس البديهة. الحس البَدهى أو ما يُطلق عليه الـ Common sense يكون فى بعض الأحيان- وكما لمسنا فى حالة «رضا»- أهم من آراء الخبراء الراسخين، أو أصحاب القرار. أحياناً يُسهم هذا الحس البسيط فى تعديل المسار أو تحويل الاتجاه عبر الإشارة بصورة بسيطة وفاضحة إلى أوجه عوارٍ يسكت أغلبُ الناس عنها، خوفاً أو طمعاً.
نحتاج إلى إتاحة المجال لأمثال «رضا» الصامتين.. أنى كانوا!.