نقلًا عن “المقال”
إيهاب التركي
تدرك السينما فى كل العالم أن أغلب جمهورها من الشباب، ويُمثل المراهقون نسبة كبيرة من الفئة التى تستهدفها الدراما، وبعد أن كانت الرومانسية وقصص الحب بشكل عام هى الموضوع الأثير لهذا الجمهور، بدأت هوليوود فى التركيز على حكايات ذات علاقة وثيقة بمشكلات وهموم وتفاصيل يومية لطلاب هذه المرحلة العمرية المليئة بالقلق وأزمات الانتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب، ونجاح هذه النوعية من الأعمال المتصاعد يؤكد أن هذا الجمهور الصغير (سنًّا) والكبير (عددًا) يُفضّل مشاهدة أعمال تتحدث عن همومه ومشكلاته الواقعية، وتدور أحداثها داخل عالم المدرسة الثانوية، وأبطالها هم طلبة المرحلة الثانوية.دراما المراهقين جزء أصيل من السينما والدراما فى هوليوود، ولكنها أصبحت هوسًا هوليووديًّا مع انتشار حالات الانتحار فى هذه السن، بالإضافة إلى حوادث العنف وإطلاق النار داخل المدارس وتجمعات المراهقين. ضمت قائمة الأوسكار الأخير فيلمًا بعنوان Lady Bird «ليدى بيرد»، من إخراج جريتا جيروج وبطولة سيرشا رونان، ويحكى قصة بلوغ طالبة الثانوية كريستينا، وعلاقتها المضطربة مع زملائها ووالدتها.
نرشح لك – الفيفا يمنح هذا اللاعب لقب “الجندي المجهول”
هذا النوع من الدراما تهتم به السينما المصرية على استحياء، وأبرز نماذجه أفلام تم إنتاجها فى بدايات الألفية الثالثة؛ مثل «أسرار البنات» للمخرج مجدى أحمد على، و«مذكرات مراهقة» للمخرجة إيناس الدغيدى، و«الأبواب المغلقة» للمخرج عاطف حتاتة، وكانت أعمالًا تحاول رصد علاقة المراهق/ المراهقة بأسرته والمجتمع المحيط به.
انتهى قبل أسابيع قليلة الجزء الثانى من مسلسل Thirteen Reasons Why) سببًا 13)، وهو استثمار تجارى وفنى لنجاح الجزء الأول من المسلسل الذى عرضته شبكة «نتفليكس» العام الماضى، وتناول 13 حكاية سجلتها طالبة الثانوى «هانا بيكر» على شرائط كاسيت، وتروى فيها الأسباب التى دفعتها للانتحار، ومن خلال حكاياتها المتشعبة عن الصداقة والحب والتنمر والاغتصاب والألم ترسم هانا بيكر صورة درامية عميقة قاتمة لطالبة ثانوى حسناء، تبدو حياتها من الخارج سطحية ومملة، لكنها عاشت تجربة المراهقة على حافة خطرة للغاية، ولم تتمكن فى النهاية من الحفاظ على توازنها حتى تمر من هذه الفترة المضطربة من المشاعر المتناقضة والعلاقات الاجتماعية المتوترة.
بدأ المسلسل بعد انتحار المراهقة الحسناء، التى تجسد شخصيتها الممثلة كاثرين لانجفورد، ومن خلال روايتها حكايتها التى سجلتها بصوتها نرى فى مشاهد فلاش باك كيف تسبب مَن حولها فى دفعها للتخلص من حياتها بهذه الصورة المأساوية، سواء بالإساءة أو بالتجاهل، أو بالتلاعب بمشاعرها.
نجح المسلسل بسبب تناوله أمورًا كثيرة يتعرض لها طلبة هذه المرحلة الحساسة، بدايةً من سوء المعاملة والشائعات وعدم التواصل مع الكبار، ووصولًا إلى التنمر والخيانة والترويع النفسى للمختلفين والخجولين، وبجوار حكاية هانا نتعرف على حكايات شخصيات مختلفة هى جزء من عالم المدرسة الثانوية، وتتشابه تلك الشخصيات فى كثير من صفاتها مع شخصيات طلبة المدارس فى أى مكان فى العالم.
المسلسل مبنى على رواية للكاتبة جاى آشر، وكان يُفترض تحويلها إلى فيلم سينمائى من إنتاج شركة «يونيفرسال» قبل حصول «نتفليكس» على حق تحويلها إلى مسلسل مكوَّن من 13 حلقة، وشاركت الممثلة والمغنية الشابة سيلينا جوميز كمنتجة تنفيذية للعمل.
جاءت حبكة المسلسل بتفاصيل أكثر عمقًا وتعقيدًا من الرواية، وكذلك مشاهد الانتحار والاغتصاب والأحداث التى دفعتها إلى اليأس والانتحار، ووصل تأثير المسلسل إلى حد اتهامه بالمسؤولية عن عمليات بعض طلاب الثانوى من جمهور المسلسل، وتسبب هذا فى قيام شخصيات المسلسل، وعلى رأسهم البطلة، بتوجيه النصح للمشاهدين الصغار، خصوصًا مَن يعانى منهم مشكلات شبيهة بتلك الموجودة فى المسلسل، بالتوجه إلى موقع خاص بالمسلسل، تشرف عليه مجموعة من المتخصصين فى الأزمات النفسية للمراهقين من أجل المشورة.
رغم انتهاء أحداث الرواية بنهاية الموسم الأول من المسلسل، فإن «نتفليكس» أنتجت جزءًا ثانيًا، به تفاصيل جديدة عمّا حدث لهانا بيكر، ويتضمن الموسم محاكمة إدارة المدرسة بتهمة الإهمال، وشهادات زملاء وزميلات هانا، وهى شهادات متناقضة، بعضها ينقل هانا من خانة الضحية إلى خانة الفتاة اللعوب المضطربة نفسيًّا، وتحضر شخصية هانا من خلال مشاهد الفلاش باك، وتتجسد أيضًا كشخصية خيالية تحوم حول الشاب الخجول كلاى جينسن (ديلان مينيت)، الذى يحاول نسيانها والتقدم للأمام فى حياته. وسعيًا خلف مزيد من النجاح أعلنت «نتفليكس» عن إنتاج جزء ثالث من العمل، وهى خطوة جريئة فى ظل عدم وجود ملامح لما يمكن إضافته لعمل درامى استنفد عناصر قوته فى الموسم الأول.
لم يقدم الموسم الثانى الجديد على مستوى الحالة الدرامية، فكل الأحداث الجديدة صدى لما تم تقديمه فى الموسم الأول، وحتى الجديد من الخيوط الدرامية أغلبه استطراد للحكايات القديمة أو حكايات جديدة لم يرِد ذكرها فى شرائط هانا بيكر، وربما كان الأفضل أن تنتهى الأحداث بنهاية الموسم الأول، وهو الموسم الذى تعامل بشكل أفضل مع فكرة الانتحار والدوافع التى أدت بالبطلة إلى هذا المصير، وكان السيناريو متماسكًا بعكس سيناريو الموسم الثانى، الذى أخذ يلملم خيوطًا درامية ثانوية، وقام بتضخيمها ومنحها تفاصيل لم تخدم الفكرة الرئيسية، وكانت ثرثرة درامية أكثر منها عملًا يضيف خيوطًا أصيلة للحبكة الرئيسية.