مزيج من الضحك والبكاء، وأنت تشاهد “Coco” ذلك الفيلم الرائع، ستبكي حتى تضحك وستضحك حتى البكاء، ليس فيلم رسوم متحركة كغيره من الأفلام، وإنما هو فيلم يخاطب الإنسان أينما وجد.
يحكي هذا الفيلم قصة حياة أسرة مكسيكية توارثت صناعة الأحذية، ولكن هذه الأسرة أنجبت عاشقا للموسيقى ويسعى لأن يكون أعظم موسيقار فى العالم، وتقف العائلة أمام ذلك الطفل “ميجل” الطموح الذى يحلم بشيء آخر لا يوافق هواهم أو لا يوافق أحلامهم، ويرفضونه رفضا باتا، حتى حين التقى ميجل بعائلته في أرض الموتى ليباركوه ليعود إلى الحياة مرة ثانية، طلبوا منه ألا يعزف الموسيقى، وهذا شرطهم ليباركوه، إنهم يحاولون منع ذلك الطفل من الموسيقى فى أي وقت، وهذا ما يجعلك تنتبه وتقف لحظة أمام ذلك الأمر، لماذا دائما تبدو علامات الدهشة على البعض إذا رأوا أن هناك من هو مختلف عنهم؟!
نرشح لك: “ديزني” تعود لاستخدام اللهجة المصرية في أفلامها
عارضت أسرة ميجل حلمه الموسيقى بشدة، وعزت السبب لأن جده الذى عشق الموسيقى أيضا، ترك زوجته إيميلدا وابنته كوكو، لكي يحقق أحلامه الموسيقية، والسؤال هنا ما حجم الخسائر فى سبيل تحقيق الأحلام؟!
وكان ذلك الطفل العاشق للموسيقى، قد شغفه حبا الموسيقار العالمي الذى كان حديث المدينة فى كل وقت “دى لا كروز” ذلك الموسيقار الذي كانت أغانيه تشدو في كل أرجاء المكسيك.
وتأتي نقطة التحول في حياة “ميجل” حين اكتشف فى يوم الموتى المكسيكى، أن الموسيقار الذى يعشقه “دى لا كروز” جده، فيقرر أن يغني ويعزف فى الساحة الموسيقية، ولكن تكسر الجدة جيتاره، مما يدفعه عقله لاستخدام جيتار جده، ولكنه عندما لمس الجيتار، ذهب في رحلة إلى أرض الموتى.
وبدأت هنا رحلة الفيلم بأكمله، رحلة عظيمة مضحكة مبكية، إذ يقابل “هيكتور” ذلك الرجل اليائس الذى لا يهمه سوى أن تتذكره ابنته ليسعد بزيارة خارج أرض الموتى، لا يريد سوى ذلك.
اغتنم فرصتك
حين يلتقى ميجل بجده، يكتشف بأنه إنسان لا يحب سوى نفسه فقط، يصل إلى القمة على أكتاف غيره، بل لا يسعى إلى النجاح بشرف، وإنما بطرق غير مشروعة، ومن هنا يرسل الفيلم العبقري رسالة عظيمة وهي أن تسعى بشرف حتى النجاح وتحقيق الحلم.
الموتى فى “coco”
رحلة الموتى بعد أن تنتهي حياتهم تبدأ بتذكرنا لهم، فإن الموتى يظلون أحياء ما دمنا نتذكرهم ونحن على قيد الحياة، ونتشارك أحاديثهم، وفي مشهد عظيم حيث يدخل “هيكتور” و”ميجل” على “تشيتش” لاستعارة جيتاره ليغني به ميجل ويصل إلى دى لا كروز، ثم يعزف هيكتور لتشيتش تلك المعزوفة التى يهواها، ليختفي بعدها تشيتش، مما يدفع ميجل للسؤال بشأن ما حدث، فيخبره هيكتور بأنه “قد نُسي وعندما لا يعود هناك من يتذكرك في عالم الأحياء تختفي من هذا العالم”.
هكذا الموتى في عالمهم الآخر، ربما نتذكرهم نحن في عالمنا فيظلوا أحياء معنا في حياتهم الأخرى.
الذكريات هي بطل الفيلم الرئيس، ومفتاح أبوابه، والموسيقى هى حلقة الوصل بين الأحياء والأموات، وثمة تشابه بين “Coco” و “The Book of Life”، فكلاهما فى يوم عيد الموتى المكسيكى، ويعرضا رحلة البطل إلى مدينة الموتى، وبطل الفيلمين يحلم بأحلام لا تتوافق مع باقى عائلته، ولكن الرسالة المطلوب إرسالها من خلالهما، هي أن تصل لحلمك حتى لو كان لا يوافق هواهم جميعا.
السينما والمجتمع
السينما دائما هي مرآة أي مجتمع، فإنك تستطيع أن تتعرف على المجتمع من خلال أعماله الفنية والسينما الخاصة به، فدائما حين تشاهد الأفلام الأمريكية، تجد الشخص الذى يظهر فى نهاية الفيلم لإنقاذ الوضع، وتحرير المقيدين، أمريكي، هذه رسالة لا يجب أن تمر مرور الكرام، فإن أمريكا ترسل للعالم رسالة عبر أعمالها الفنية بأنها دائما من تعطي قبلة الحياة للجميع.
وتظهر السينما دائما، أن المكسيك بلد سييء تحدث فيه كل الكوارث، ودائما بلد من يخرج عن القانون، ولا يستطيع أحد معاقبته، أى أن الميكسيك بلد لا يصلح للحياة، وإنما مأوى للمخربين جميعًا.
COCO وترامب
وبحسب صحيفة الجارديان البريطانية، فى أغسطس 2017، قال ترامب، إن المكسيك “معقل الجرائم الخطيرة”، كما أصر حينها على بناء جدار حدودى يفصل بين بلاده وبينها، داعيا الكونجرس لإيجاد حل لتغطية تكاليف بناء الجدار.
وجاء COCO ليرد على خطاب ترامب، الذى ناهض فيه المكسيك، ليوضح له ماهية المكسيك، الغارقة فى الفن والموسيقى وحب القوى الناعمة، وليست تلك البلد الذى يحدث فيه كل المخالفات والجرائم.
المكسيك وهوليود
كثيرة هى الأسماء المكسيكية التى أثرت فى هوليوود، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، المخرج ألفونسو كوارون الذى قدم سلسلة أفلام هارى بوتر، أليس هذا كافيًا لتوضيح مدى تأثير المكسيك فى تلك المدينة الأمريكية التى اشتهرت بصناعة السينما.
ثمة رسائل كثيرة يرسلها ذلك الفيلم العبقري، للجميع، ويكفى أنه يخاطب الإنسان فى كل آن، ويؤكد أن الإنسان لا تنتهى حياته بعد وفاته، وإنما تنتهي عندما ينساه الأحياء.