ذكريات عديدة لأجيال مرت من هذا المكان، قضت أوقاتًا من مراهقتها وشبابها هناك، لم يبقَ منها الآن سوى لافتة، تخفيها أغصان الأشجار التي أٌهملت ولم تقلَم كما هو حال المكان، دار سينما حملت الكثير من ذكريات جماهيرها، كما حملت اسم واحدة من أهم الفنانات اللواتي مررن بتاريخ الفن في ذلك الوطن، هي سينما “فاتن حمامة”.
لا تُعد السينما مبنى أثريًا، ولا هي تابعة لوزارة الثقافة، هي ملكية خاصة لأصحابها، من حقهم أن يتصرفوا فيها كيفما يشاءون، ولكن الأمر يكمن أنها تحمل بجانب “اسمها” ذكريات من تاريخ ذلك الوطن، إلى جانب التاريخ الشخصي لروادها، منها أنها كانت مفر أنور السادات، ليلة ثورة 1952، حيث ذهب ليحضر بها فيلمًا ليبعد عنه أنظار رجال الملك.
نرشح لك: صور حصرية: آخر لقطات لسينما فاتن حمامة
من “ربع لبة” لـ”ميراندا” وصولًا لـ”فاتن حمامة”
كانت قديمًا تسمى “ربع لبة” وبعدها أطلق عليها “ميراندا”، وعندما أعيد افتتاحها عام 1984 بحضور عدد كبير من الفنانين، سميت “فاتن حمامة” على اسم الفنانة التي حضرت افتتاحها، وشهدت الدار عروض خاصة كثيرة لعدد من أفلام كبار نجوم السينما فكانت شاهدة على تاريخ طويل للسينما المصرية، وكان أول فيلم يُعرض في السينما هو فيلم “عندما يبكي الرجال” وهو بطولة فريد شوقي ونور الشريف.
بنظرات حنين، يتأمل “أحمد” ابن حارس الدار والبالغ من العمر28 سنة، دار السينما بعد هدمها، ويبدأ في سرد ذكرياته فيها حيث شاهد معظم حصيلته السينمائية، يتحسر على تلك الذكريات التي ستُهدم، والتي تمثل له تاريخًا شخصيًا بشكل كبير، يروي أنه ظل يتردد عليها طوال شبابه حتى شاهد بها فيلم “ريجاتا” وهو آخر فيلم عُرض في الدار عام 2015، قبل أن ينتهي تعاقد الشركة العربية للتوزيع والإنتاج السينمائي على استئجار السينما، ويُعلن ملاكها عرضها للبيع.
الصراع بين أحقية المالك في هدمها .. وتصوُّر المنطقة بدونها
ارتادها الطلاب لعشرات السنوات حتى أصبحت تُسمى “سينما الطلبة”، هذا ما يتذكره “أحمد” ويجعله يحمد الله على إغلاقها، قائلًا “بقت تلم الواغش وتخليهم يتجمعوا هنا، لما بفكر في ده بحمد ربنا إنهم هيقفلوها، ده مابقاش يعرف يدخلها بنات وعائلات بسببهم” مشيرًا إلى أنه الآن عندما يريد أن يُشاهد أي فيلم يشاهده على الانترنت، إلا لو كان فيلمًا أجنبيًا، وتلك السينمات الشعبية لم تكن تعرض هذا النوع من الأفلام.
يظهر على الشاب الذى قضى وقتًا كبيرًا من حياته في ذلك المكان، ارتباك المشاعر، فلحظة تلمع عيناه وهو يسرد حكاياته في دار السينما، وتارة يُدافع بشدة عن قرار هدمها، ولكنه في كل الأحوال لا يرى أن مالكها الحالي يقع عليه أي خطأ فقد اشتراها وهي مُغلقة ومن حقه التصرف فيها كيفما يشاء فهو حر في ماله الذي دفعه مقابله، ولكن الأزمة كلها تكمن في أنه بهدمها يهدم جزءًا من التاريخ.
وللحظة ينظر للمبنى المقابل الذي يرجع بناؤه إلى عام 1950 ويُشيد ببراعة التصميم، فيعيد النظر إلى مبنى السينما، وهي من التصميم المعماري للمهندس محمد عبد العزيز فهمي وتصميم إنشائي للمهندس طاهر عبد اللطيف، ويقول: “أكيد العمارة أو البرج اللي هيطلعوا مكانها مش هيبقوا بنفس الجمال ده، زمان كان في ضمير حتى في البُنا أنه يطلع حلو بالشكل ده، دلوقتي هيبقى شكلها عادي”.
ابن حارس السينما: “بقت خرابة فاتن حمامة”
“عارفة لما حد بيستنى صحابه في المنطقة هنا بيقول له تعالى أنا مستنيك عند سينما فاتن، دي أشهر حاجة هنا” بتلك الكلمات كان يختتم أحمد حديثه عن المكان، وعن ذكرياته به، قبل أن يلقي نظرة أخيرة ويقول بسخرية تحمل لمحة من الحزن: “دلوقتي بقت خرابة فاتن حمامة خلاص”.
تم هدم دار السينما من الداخل الآن، وصدر قرار ترخيص هدم رقم 10 لعام 2018، ومن المنتظر في الأيام المقبلة أن تُهدَم كاملة، ليحل محلها مبنى حديث ربما كان بُرجًا أو عمارة، ليُهدم مبنى ربما لم يتجاوز القرن ليصبح مبنى أثري لكنه حمل من التاريخ ما كان يؤهله أن يُصبح أثريًا، على الأقل في قلوب مرتاديه.