قل ماتشاء .. قل الخال .. قل صورة مصر .. قل كلمة مصر .. فكل الكلمات الحسان تدل عليه وكل الكلمات المعبرات تخرج من لسانه.
رحل الأبنودي ليبقى كثيرون كانوا أولى بالرحيل .. القدر أعطانا خمسة وسبعون عاماً وازدادوا واحدة نتنفس فيهم نسيم الأبنودي، فرحل الأبنودي وتركنا نعاني ضيقاً حاداً في التنفس يصل حد الاختناق في الصدر والرغرغة في المُقل.
دعني أخبرك قصتين تربطانني بالخال الذي لم أره ولم يعرفني لكنني أحببته وأجزم أنه يحبني فهو لم يحمل ضغينة لمصري قط إلا من وضع يده في أمعاء مصر يجز أوصالها.
القصة الأولى عندما كتب رائعته الخالدة (يا منه) أو قل عندما سمعتها منه، يا منه لم تكن عمة الأبنودي وحسب كانت عمتي وعمتك وعمة أمي وأمك يامنه كانت مصر التي عفا عليها الزمن فعاد الأبنودي ومسح ما لم بها من آهات، يا منه أو أمنة كانت صورة لبلد يلفظ أنفاسه الأخيرة ويأبى إلا أن يموت كما تنام الخيول واقفاً .. يقول الأبنودي على لسان عمته
الورث تراب
وحيطان الأيام طين
وعيالك بيك مش بيك عايشين..!!
يوه يا زمان..
مشوار طولان
واللي يطوِّله يوم عن يومه يا حبيبي .. حمار
الدوا عاوزاه لوجيعة الركبة
مش لطوالة العمر.
أوعى تصدق ألوانها صفر وحمر
لبى الأبنودي نداء يا منه، ودعنا نكن متفقين أن الأبنودي مهما عاش من السنين فهو رحل سريعاً، إن 76 عاماً من الإبداع لن تمحي سنون نعيشها بدون الأبنودي، رحل الأبنودي عنا دون أن يجيبه أحد من ولاد الوسخة الجربانين.
القصة الثانية التي أكاد أحفظ مترادفاتها عن ظهر قلب هي في ديوانه الأكثر من مصري (حكايات الأسطى حراجي القط).
كتب الأبنودي عن الأنفار والشغيلة والتعبانين وأم العيال وعن الديناميت وعن طلعت أفندي وعن فرحة الأسطى حراجي بأول واحد شاي من واحد أفندي.
(طلعت أفندي يا فاطمة أول أفندي يعزمني على واحد شاي)
(بالليل بتهفي علي ما بعرف كيف .. هففان القهوة على صاحب الكيف)
شربنا الشاي ياخال مع حراجي وضربنا وياه الديناميت وتبني السد، ولكن مر الدولة الحزينة لا تتحمل سدين كان على أحد السدين أن يرحل فاخترت أنت الرحيل وتركت لحراجي وسده البقاء، رحلت يا خال وتركت ذكرى فاطنه تهف على حراجي كهففان القهوة على صاحب الكيف.
لن تصف فجيعتنا كلمات، ولن نبكيك بالبكاء أنت لم ترحل كي نبكيك، نحن فقط سنفتقد صورتك، وعزاءنا أنك بمكان أفضل عزاءنا أنك ستظل طويلاً في قلوبنا.
وداعاً ياخال