لازلنا نعيش أجواء كأس العالم، والتي انتهت يوم الأحد الماضي، ورفعت فرنسا كأس البطولة للمرة الثانية في تاريخها.
وحين نتحدث عن كرة القدم لا يخص الأمر فقط تلك اللعبة وهؤلاء اللاعبين والمدربين وحتى الحكام، لكنّها عملية صناعة متكاملة، ربما يكون للذين يقبعون خلف الشاشات والكاميرات فضلا أكبر من الذين يقفون أمامها.
من هؤلاء أصحاب الفضل على الكرة المصرية الأستاذ “نجيب المستكاوي” وهو الذي يعرف أغلبنا أنه صاحب القلم الجميل في تحليل كرة القدم من بعده؛ نجله “حسن”.
نرشح لك: 31 حكاية ترويها ابنة سيد مكاوي.. أبرزها غنائه في المسجد بالخطأ
نجيب المستكاوي أحد الذين ينطبق عليهم مصطلح “رجل موسوعي”، وإن كان المستكاوي قد قام بتدشين طريقًا للنقد والتحليل الكروي وأطلق عديد المصطلحات على الأندية واللاعبين مثل “الشياطين الحمر، الدراويش، الشواكيش ” وغيرها من الألقاب والمسميات التي لازالت حاضرة بيننا حتى اليوم في الصحافة، ولدى رجل الشارع، فلم يقتصر الأمر على ذلك؛ فقد كان موسوعة حقيقية منذ ولادته عام 1918، وسلسلة من الحركة والنشاط والتجارب الهامة، حيث قام بلعب الكرة منذ طفولته بمدرسة طنطا، ولعب أيضًا المصارعة وألعاب القوى.
حصل نجيب المستكاوي على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة عام 1939، وهي الفترة التي لعب كرة القدم خلالها بنادي الترسانة، وهو على ذلك محتكر لسباق 100 متر عدو لفترة طويلة، انتقل خلالها إلى النادي الأهلي، وظل محافظًا على رقمه حتى اعتزل عام 1943. علاوة على العديد من المناصب الإدارية إلى جانب كونه ناقدًا رياضيًا بالأهرام على مدار سنوات طويلة عرفته مصر والعالم العربي، من خلال مقالاته وتحليلاته وعنواينه الصحفية المتفردة. فهو مدرسة قائمة بذاتها قبلها كانت الكرة والرياضة والنقد في وادٍ وأصبحت في وادٍ آخر.
صحفي بدرجة أديب
المراقب للمستكاوي سيجده متفردًا في كتاباته وتحليلاته وعناوينه كما ذكرنا، فهي تنم عن ثقافة اسعة وإطلاع لم يتوفر لكثيرٍ من المشتغلين بالصحافة، وفي ذلك تجد عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين يقول عنه “إنه الأديب الذي ضل طريقه نحو الرياضة” فلذلك لا نتعجب أن يُطلق على اللاعبين ألقاب مثل المايسترو والمجري والخطير وغيرها، ولا عجب أن يكون لديه حسًا ساخرًا لا يضاهيه فيه أحد.
وقياسًا على ذلك لم يخطأ عميد الأدب العربي في إعطاءه لقب “أديب”، وهو الذي دخل عالم الرياضة من الباب الواسع؛ وضرب في أغلب الرياضات بسهم فعينه في هذا عين أديب يرى الأشياء من منطقة أعمق من ظاهرها بمسافة كبيرة، وهي منطقة التحليل والنقد وبناء الرؤية الشاملة الدقيقة، وقراءاته وإطلاعه منحه النصف الثاني من شخصية الأديب وهو ثقل الكلمة والحرف المكتوب ولكن من دون تعقيد، فجمهور الكرة والرياضة بشكل عام من البسطاء وليس من فئة المثقفين وهو على ذلك جمع الحسنيين.
مستكاوي آخر لا نعرفه
يقص لنا الكاتب المبدع عمر طاهر في “صنايعية مصر” حكاية فيقول:
“كان الدكتور طه حسين مستشارا لدار الكتاب العربى للنشر، هاتفهم فى مرة يسألهم عن الكتاب الذى يعملون عليه فى المطابع حاليا ، فقالوا له كتاب مترجم لجان جاك روسو اسمه « أزمة الضمير الأوروبى»، كان العميد قد سبق له قراءة الكتاب فى لغته الأصلية ، فطلب منهم أن يراجع الترجمة قبل النشر”.
كان المستكاوى هو المترجم وبعدها أصبح المستكاوى ضيفا ثابتا فى صالون العميد، و صدر الكتاب بتقديم العميد قائلا: “تعالوا إلى لذة المعرفة ، ومتعة الفهم ، وسمو التذوق”
وهي القيمة التي تبدو واضحة في رجل يكتب عن الرياضة بخلفيات مترجم ومثقف وأديب فيعطيك من مداد حبره كلمات لا تشبه أي كلمات.
وللكاتب الكبير نجيب المستكاوي عديد الإصدرات؛ بلغت إثنى عشر إصدارًا شكلت وبلورت مفهوم الرياضة والكرة في مصر أبرزها “بن بطوطة الرياضي” في ثلاثة أجزاء والموسوعة الرياضية في ثلاثة أجزاء أيضا ومقالب كروية.
توفي الكاتب الكبير في 18 يوليو 1993 بمحافظة القاهرة تاركًا خلفه إبداعا لا ينسى.