يبدو لى فى السنوات الأخيرة أن إقامة مهرجان سينمائى صارت مهنة من لا مهنة له، من يجد نفسه واقفاً على الخط لا يهش ولا ينش يسعى لكى يرأس مهرجانا حتى يقول للجميع (نحن هنا).
نعم فجأة بمجرد أن لوحت الدولة قبل نحو 7 سنوات بأنها سوف تساهم ماديا فى دعم المجتمع المدنى لإقامة أنشطة ثقافية، تكاثر عدد من الجمعيات تعلن عن نفسها أو توفق أوضاعها، معلنة أحقيتها فى الحصول على مال الدولة، الدعم مشروط بتدبير نفس القيمة المادية بالجهود الذاتية، إلا أن ما يحدث قبل بدء فعاليات المهرجان، بأيام أو ساعات، تُعلن الجهة المنظمة أنها (يامولاى كما خلقتنى)، وتقيم تظاهرة، ولا أقول فى هذه الحالة مهرجانا، تقيم حاجة ما لا يمكن وصفها تحديدا سوى أنها يتخللها أحيانا عرض أفلام أو ندوات، وكثيرا ما تكتشف إلغاء الفيلم أو الندوة، واللعبة مجرد تكأة للحصول على المال العام، ويتجدد الأمر فى العام المقبل، ولا أحد يسأل: هل تحقق شىء؟ وأول هدف هو أن يشعر أهل المدينة التى أقيمت فيها التظاهرة بأن بلدهم عاش شيئا ما، ومع الأسف هذا لا يتحقق بنسبة تتجاوز 90%، الأمر الأخطر أن هناك أماكن بطبعها لا تصلح لإقامة مهرجان سينمائى، مثل شرم الشيخ، ولا يوجد فى الحقيقة جمهور محلى، هذه المدينة السياحية يليق بها أكثر مهرجان غنائى أو موسيقى، يشارك فيه السياح، وهو بالفعل ما حدث منذ العام الماضى، ومن الممكن توجيه الدعم الضائع بلا طائل من المهرجان السينمائى إلى المهرجان الموسيقى، أقترح أن يمتد هذا الأمر للعديد من المدن السياحية المماثلة مثل (مرسى علم) أو (مرسى مطروح) وغيرها ليقام بها أيضا مهرجان موسيقى فولكلورى، من المؤكد سيتهافت السياح عليه، وتصل الرسالة الإيجابية التى نسعى جميعا لتحقيقها.
حتى تتوفر العدالة يجب أن يخضع الأمر لفحص ما قدمه أصحاب المهرجانات فى الدورات السابقة وبعدها يتحدد الموقف، الغريب أن المهرجانات تشمل مختلف الفنون من مسرح وموسيقى وغناء وفن تشكيلى ورقص، إلا أن السينما لها الغلبة لأسباب لا تستطيع أن تحللها سوى أن بعض السينمائيين صوتهم عال، وهذا يتيح لهم أحيانا الوصول لصانع القرار، إيقاف الزحف الحنجورى يجب أن يصبح واحدا من الأهداف التى تواجهها الدولة، نعم نسارع بضبط وربط المهرجانات الفنية التى تكاثرت فى السنوات الأخيرة والقسط الأكبر منها أدى للعديد من الكوارث التى تضرب بقوة فى سمعة البلد، ليس لدينا ترف إقامة هذا العدد الضخم منها، يجب الاكتفاء بتوجيه الدعم لعدد محدود ترى الدولة أنه يستحق.
مع تعويم الجنيه ولارتباط المهرجانات للتعامل بالدولار، فإن قيمة الدعم تضاءلت لأكثر من النصف، كما أن مجتمع رجال الأعمال ليس لديه ثقافة المساهمة فى الأنشطة الثقافية، المفروض أنه لا يوجد فى عالم البيزنس شيئا مجانيا، وهذه الأموال التى يرصدونها ستحقق لمنتجاتهم رواجا دعائيا، ولكن لا أحد يساهم فعليا، ربما باستثناء الأخوين ساويرس (نجيب وسميح) لم أر اهتماما حقيقيا فى هذا المجال.
ويبقى أن هناك ملاحظات على قرار رئيس الوزراء، حيث تناول تنظيم الحفلات، وهذا فى الحقيقة غير لائق أدبيا ومستحيل عمليا، الحفلات بطبعها سريعة الإيقاع ونقابة المهن الموسيقية تطلب الحصول على تصريح مسبق وهذا يكفى، كما أن اللجنة المزمع إعلان تشكيلها خلال الأيام المقبلة ينبغى ألا تضع معيارا أمنيا سابقا فى الاختيار، هذا يضع ظلالا سلبية على القرار.
اتسع (الخرق على الراتق) وصرنا نعيش فى مهزلة مهرجانات السبوبة، إلا أنه لمواجهة تلك الهوجة ينبغى ألا يفتح الباب لفرض قيود جديدة على حق المجتمع المدنى فى التعبير!!.