أمنية الغنام
إذاعي من نوع خاص، استطاع برنامجه الديني الأشهر “نور على نور” أن يترك بصمته على أجيال وأجيال. طرح من خلاله العديد من القضايا الفكرية وقدم الكثير من الشخصيات والعلماء الذين تعلمنا عنهم أدب الحوار والاختلاف.. إنه الإذاعي القدير الراحل أحمد فراج.
أجرى إعلام دوت أورج حوارًا مفتوحًا من داخل مكتبه الخاص بمنزله، مع كلٍ من زوجته وابنه الكبير محمد فراج وكانت تلك أبرز التصريحات:
– تخرج في كلية التجارة قسم اقتصاد وعلوم سياسية ولم يدرس بالأزهر أو ينضم لمعهد للعلوم السياسية، لكن ثقافته العالية استقاها من المطالعة المستمرة ونهمه للقراءة الدائمة في كل المجالات في زمن لم يكن هناك جهاز التليفزيون بعد أو التطور التكنولوجي الموجود.
– كان يريد الالتحاق بالسلك الدبلوماسي، وتقدم بالفعل لامتحانات القبول بالخارجية المصرية وفي أثناء انتظاره للنتيجة اقترح عليه أحد الأصدقاء للتقدم لاختبار المذيعين بالإذاعة، ومن باب التسلية تجاوب مع صديقه لكنه فوجئ باجتيازه الاختبارات خاصة الصوتية واللغة العربية.
– أحد أسباب تميزه في اللغة العربية يرجع لوفاة والده وهو في سن صغيرة -حوالي العامين- وكانت جدته وخاله يتوليان أموره المادية، فكان لزاماً عليه مع دخوله المدرسة وفي مراحل تعليمه المختلفة أن يجتهد كثيراً في المواد الدراسية، ومنها اللغة العربية حتى يحظى دائماً بمنحة مجانية التعليم. وأذكر أنني قابلت رئيس وزراء مصر الأسبق مرة في إنجلترا وقال لي: “والدك كان من المُفوّهين ومن الساسة المشاكسين”.
– مع انضمامه للإذاعة ظل طوال فترة التدريب الأولى والتي امتدت لنحو ٦ أشهر لا يقول شيئاً سوى “هنا القاهرة”، وكان يصف لنا حالته عندما يمسك بالميكروفون قائلاً: “كان جسدي ينتفض وتزداد ضربات قلبي وأشعر بالرعشة من رهبة الموقف”. شعوره هذا جاء بإحساسه بالمسؤولية تجاه الملايين من المستمعين، فنبرة الصوت وإيقاعه وشدة قوته يمكن ألا تعبر عن “هنا القاهرة” بالشكل اللائق.
شاهد: كم عدد الكتب في مكتبة الإعلامي الراحل أحمد فراج؟
شاهد: كم عدد الكتب في مكتبة الإعلامي الراحل أحمد فرّاج؟تصوير وحوار: أمنية الغنّاممونتاج: نورا مجدي #صوت الميديا
Posted by إعلام دوت أورج – e3lam.org on Monday, July 16, 2018
– من نصائحه التي أتذكرها عنه دائماً أن أفكر مدة ١٠ ثواني على الأقل قبل أن أوجه حديثي لأي شخص أياً كان وزير، طبيب، حارس عقار…الخ. وأسأل نفسي عن نوع المضمون الذي أريد توصيله والطريقة التي سأعرضه بها وكيف سيتقبلها هو.
– قدم للإذاعة فترة الخمسينات برنامجين أولهما “الشرطة في خدمة الشعب” ولا أذكر تفاصيل كثيرة عنه، والثاني “المائدة المستديرة”وسُمّيَ على إثر هذا البرنامج بـ”صانع الوزراء”، فقد كان برنامجاً متخصصاً في الاقتصاد والسياسة واستضاف العديد من الشخصيات التي أصبحت علامات بارزة في تاريخ مصر أمثال عائشة راتب وعزيز كامل وأخرى تقلدت حقائب وزارية مختلفة أمثال عبد العزيز حجازي، عمرو موسى، مفيد شهاب.
– من المواقف التي تعكس قوة شخصيته عندما طلبه مرة الرئيس الليبي معمر القذافي لزيارته في ليبيا والاستفسار عن بعض أمور الدين وكان وقتها في جدة بالمملكة العربية السعودية، وتزامن ذلك الطلب مرور ٣ أيام على اختفاء موسى الصدر في ليبيا ومع توجس والدي الخيفة من هذه الزيارة إلا أنه استجاب ودارت بينهما حوارات أغلبها دينية، وبالرغم من أن المخابرات الليبية أبلغته بمدة اللقاء إلا أن اللقاء أخذه مع الرئيس معمر القذافي ليستمر حوالي ٣ ساعات، وأذكر هنا أن الرئيس الليبي وجه له سؤالاً كالآتي:
إذا كان الله يوجه كلامه لسيدنا محمد من خلال الآية الكريمة “قل هو الله أحد”.. فكيف الحال وسيدنا محمد قد مات هل كان من الممكن أن تكون الآية “هو الله الأحد”.. فجاء رد والدي موجهاً حديثه للقذافي: “حضرتك بهذا تتبع مذهب المرتدين في قوله تعالى “خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم وصلي بها عليهم، قالوا أو قد مات الذي يصلي علينا.. فحاشاك أن تأخذ هذا الاتجاه سيدي الرئيس وتكون من المرتدين”، سكت بعدها القذافي وضحك وتحدث في أمور أخرى.
– أعتقل عام ٥٤ على إثر إدعاءات انضمامه للإخوان المسلمين، لكنه لم ينتم يوماً إليهم ولم نر يوماً أحداً منهم أو من قياداتهم معه في منزلنا، أو على الأقل سيكون أولاده متعاطفين بالتبعية.أنشأنا على الفطرة وعلى مبدأ أن سيدنا محمد كان خلقه القرآن، وبالتالي نحن نتأسى به وكانت نصيحته لي عند سفري لإنجلترا أنك سفير للإسلام هناك فلا دخل أو شأن لك بمن يكفر أو ينتهج غير نهج الإسلام فأنت غير معد أو مهيأ للنقاش أو التحدث في ذلك.
– وقت أن كان الدكتور عبد القادر حاتم وزيراً للإعلام، ومع بدايات البث التليفزيوني عام ١٩٦٠، اقترح على الوالد إعداد وتقديم برنامج ديني، وأخذ في بلورة فكرته وموضوعه أما الاسم وهو”نور على نور” فقد كان يقرأ الآية القرآنية “نور على نور يهدي الله بنوره من يشاء” ومن هنا جاءت تسميته.
– في إحدى زياراته لشيخ الأزهر عام ٦٤، استشف أن مدير مكتبه له ما يميزه ويقول علماً لم يقله أحد من قبل، فقرر أن يستضيفه في البرنامج وبالفعل استضافه حلقتين ولكن لم ينتشرا بالشكل المطلوب.. كان هذا هو الشيخ محمد متولي الشعراوي.. لكن في عام ٧٣ كان الشعراوي عائداً من الجزائر وذهب والدي لمقابلته في الأزهر وكانت مناسبة الإسراء والمعراج فقدمه مرة أخرى في هذه الليلة وبالفعل لاقت إذاعة الحلقة صدى كبير وتم إعادتها حوالي ٤ مرات وتوالى ظهور الشعراوي في برنامج نور على نور ولكن على فترات متقطعة وليس بشكل دائم.
– كان شديد الحرص في إعداده لحلقات برامجه فكان من الممكن أن يقضي ٨ساعات يومياً لمدة ٥ أيام في الأسبوع لإعداد حلقة واحدة من برنامج نور الى نور أي حوالي ٤٠ ساعة،، وأذكر هنا أن طلب منه أحد المسئولين بالإذاعة أن يرافقه في رحلة إعداده لحلقات برنامجه فوجده يجلس ٤ساعات متواصلة يبحث على تفاصيل موضوع الحلقة بين عشرات الصفحات والكتب على اختلاف توجهاتهم ومذاهبهم ثم ذهبا معاً لمقابلة الضيف للتحدث إليه ومناقشته، هنا اعتقد المسؤول أن عملية الإعداد انتهت ولكنه فوجيء برد والدي من ضرورة الجلوس مع الضيف مرة أخرى للتأكد أن ما طرحه من قبل لم يطرأ عليه تغيير، فما كان من هذا المسؤول سوى الاستغراب وقال له “أنا أسف لو اتبعت هذه الطريقة مش هعرف اشتغل أبداً، أنا أذهب للضيف واعرف منه هو يحب أسأله عن إيه”.
نرشح لك: تفاصيل صور شبيه عمر سليمان.. صاحب الصور: الرجل ليس مصريًا
– مظاهر حبه وإتقانه لعمله ظهرت لي عندما اصطحبني في إحدى المرات لاستقبال الشيخ زغلول النجار في المطار ، وطلب مني الجلوس معهم والتركيز فيما يقوله النجار .. وبعد أن انتهى من حديثه التفت لي والدي وسألني إذا كنت استوعبت ما قيل وأجبته بالنفي فما كان منه إلا التفات لزغلول النجار وقال له “أريدك أن تعتبر محمد ابني رجل الشارع فيجب أن تصله الرسالة التي تريد إيصالها وأن يفهمك” وبالفعل أعاد النجار ما قاله بطريقة أبسط وأوضح وهو أكثر اهتماماً بردود أفعال وجهي، وفي النهاية أدركت ما قاله.فكان دائماً مقصده من برامجه تنوير الناس وليس توجيههم.
– تحتوي مكتبته على حوالي ١١ ألف كتاب ما بين كتب تاريخ ، فلسفة،سياسة،دين،عقيدة واجتماع. وكان يهتم كثيراً بإتقاننا أنا وأخوتي نطق اللغة العربية وإجادة الخط إجادة تامة
– من الشخصيات التى قدمها في برنامجه نور على نور بخلاف الشيخ الشعراوي كلٍ من أحمد الشرباسي، محمود شلتوت، محمد بن فتح الله بدران،زكريا البر ، عبس عبده (الأب)، عبد الحليم محمود والشيخ سيد سابق وآخرين.
– امتدت علاقته بالشيخ الشعراوي على مستوى الزيارات العائلية وكانا على وشك تقديم برنامج سوياً حول تفسير القرآن الكريم إلا أن سفر والدي للمملكة العربية السعودية كأمين عام منظمة إذاعات الدول الإسلامية حال دون ذلك فاستأذن الشعراوي من والدي أن يقدمه هو بمفرده وهذا ما حدث وخرج برنامج الشعراوي الشهير للنور.
– عاصرت وشاهدت بنفسي في منزلنا أدب العلماء واختلافهم حول تفسيرهم لبعض آيات القرآن، في مبارزة باللغة والحجة معاً،فتعلمنا بالتالي أدب الحوار والنقاش.
– لم يكن يتابع باستمرار البرامج الدينية المذاعة، ولم يظهر يوماً نقداً لأحد مهما كان أو يعلق بالسلب حين أسأله عما يقال بتلك البرامج فقط كان يقول “أنا أنشأتك على التفكير وأن تحكم بنفسك على الأمور”.
– أول مرة ينتقل قداسة البابا شنودة لمبنى الإذاعة والتليفزيون ليتكلم عن القدس كان لبرنامج نور على نور ، قدم خلاله حلقتين وكان في استقباله وزير الإعلام وبصحبة القساوسة والمسافات منهم نيافة الأنبا بسنتي وفي وجود شيخ الأزهر.
– أحمد فراج هو أول مذيع في العالم بشهادة المتخصصين يقدم “التوك شو” لأنه مع أولى حلقات نور على نور سنة ٦٠ كان يذاع على الهواء مباشرة أي غير مسجل وفي حضور الجمهور الذي كان يقف ليطرح أسئلته وهذا النموذج لم يكموجوداً حتى في أمريكا حيث كان الاهتمام أكثر بالأغاني والأفلام.
– لم يكرر قراءة كتاباً قط في حياته، وكان يحب ممارسة رياضة التنس مع مدربه الخاص، وعندما كان عضواً في مجلس إدارة النادي الأهلي كان يحكي لنا كيف كان محمود الخطيب وحسن حمدي ومحسن صالح -وكانوا صغارا-يفرحون ويشعرون بالانتماء للنادي من مجرد وجبة ساخنة أو زي للتمرين.
– في مرحلة ما من عمره قبل ارتباطه بوالدتي تعرف على الفنانة صباح ومثل معها بمشاركة كمال الشناوي وعبد السلام النابلسي فيلمه الوحيد في السينما وفي عالم الفن عموماً وهو”إمرأة و٣ رجال”، ثم تزوجها بعد الفيلم وكان يعتقد أن بإمكانه أن يُغَيِّر من شخصيتها ولكنه لم يستطع.
– والدتي هي ابنة خالته ووالدها هو محمد محمد سالم باشا ناظر الخاصة الملكية للملك فاروق، وتعود أصول والدي لمحافظة المنيا بينما والدته من محافظة الدقهلية.
– كانت “الدعوة” بالنسبة له فن وليس مجرد الإمساك بالسِبحة وارتداء العمة، فالأهم من إيصال الدعوة الكيفية التي يتم بها إيصالها.
– منذ حوالي الشهر فوجئنا بماسبيرو يذيع برنامج باسم نور على نور يقدمه أحد الشيوخ ويُدعى “أحمد ترك”، وللأسف البرنامج يضع أعلى يمين شاشته اسم البرنامج وفي الخلفية الموسيقى الأصلية والمميزة لبرنامج والدي أحمد فراج، وليس هذا فقط بل يحمل مُقدم البرنامج “بطاقات” تحمل اسم البرنامج، وأنا أرى في هذا جريمة كاملة الهدف منها محو اسم أحمد فراج الذي ارتبط ببرنامج نور على نور على مدار حوالي الألف حلقة. للأسف هذا الموقف يعكس سوء إدارة حالية فكيف للتلفزيون المصري أن يفعل ذلك بأحد أبنائه بل وأحد مؤسّسيه فهو يسرق حق رجل توفاه الله. أخذنا إجراءاتنا القانونية تجاه ما يحدث ولا نبحث عن أي تعويض مادي فقط وقف هذا البرنامج نهائياً.
– ما يدعو للأسف أيضاً ما قام به التليفزيون من إعادة التسجيل على أشرطة حلقات نور على نور فلم يتبقى منها سوى ١٧ حلقة فقط من مجمل ألف حلقة. وأذكر بعد وفاة والدي ٢٠٠٦أن ذهبت بصحبة الوالدة لزيارة وزير الإعلام وقتها واستإذانه أن نحتفظ ب ٣ أو ٤ حلقات من برنامج نور على نور سمعنا عنها ولكن لم نراها كحلقة الشيخ سيد سابق صاحب كتاب فقه السنة وأخرى لمحمد علي كلاي عندما دخل الإسلام وذلك على سبيل الذكرى وبعد أن وعدنا وطالبنا بالذهاب للحصول على الحلقات من التليفزيون فوجئنا بالمسؤول هناك يطالبنا ب٢٥ ألف جنيه للحلقة الواحدة وكانت دهشتنا فماذا لو لم تكن في الأساس لوالدي؟؟!.
– قبل وفاته بليلتين كنت بجواره أنا ووالدتي وقت صلاة الفجر ووجدناه يتمتم ببعض الكلمات وعندما حاولنا إفاقته رد علينا قائلاً”صحّتوني ليه.. أنا كنت بحارب في جيش عمرو بن العاص وشفت الشهداء”، فسّر لنا بعد ذلك صديقه الشيخ مصطفى الشكعة أن هذا الكلام يعني أن الله سبحانه وتعالى أرى أبوك مقعده في الجنة بين الشهداء.
– عُيِّن مستشارا لرئيس مجلس الوزراء في عهد عاطف صدقي وظل كذلك إلى أن أصدر له فتحي سرور قراراً بتعيينه مستشاراً لرئيس مجلس الشعب وظل كذلك حتى وفاته وحضر جنازته جميع رجالات الدولة وصلىّ عليه شيخ الأزهر سيد طنطاوي ودعا له المفتي علي جمعة.
– كان يردد دائماً أن آفتنا أننا نستخدم القرآن ككتاب للعبادة وليس ككتاب للحياة.