رباب طلعت
“ده مبيجيش حتى في طبق اليوم”،ذلك المثل المتداول بين المصريين في التسعينات وما قبل ذلك، وحتى منتصف الألفينات، سقط بالتقادم، حيث لم يعد هناك الآن “طبق اليوم”، بعدما حل محله “ورقة وقلم واكتبي معايا يا ست الكل”، وبينهما الكثير من “الإيفيهات” الأخرى المقتبسة من برامج الطبخ، ما يدل على تأثيرها الكبير على المشاهدين، حتى إن مقدمي تلك البرامج، و”الشيفات” أصبحوا “تريند”، و”بيجيبوا ترافيك”.
فخلال الآونة الأخيرة اكتسبت برامج الطبخ مكانة كبيرة من الاهتمام الجماهيري، والإعلامي، حيث أصبح وجودها في الخريطة البرامجية لأية قناة أمرًا بديهيًا، لاكتمال المحتوى المقدم للمشاهد، بالإضافة لظهور فضائيات متخصصة في مجال الطهي، حولت الطهاة إلى نجوم تلفزيون، مثلهم كالإعلاميين والفنانين، وأصبح لهم متابعين، لا يكتفون بالتواصل معهم على الهواء، بل أيضًا على صفحات رسمية لهم على مواقع التواصل الاجتماعي، يصل أعداد متابعيها لملايين من السيدات، والرجال المهتمين بشؤون الطبخ.
تلك الظاهرة انتشرت منذ عدة سنوات فقط، مع إعطاء مساحة كبيرة لبرامج الطبخ، بعد أعوام من بخل شاشات التلفزيون على تقديم أكثر ما يهم “ست البيت” أو حتى المرأة العاملة، فلا يوجد زوجة أو أم لا تطبخ، وتبحث عن التجديد لأسرتها، خاصة مع انتشار مفهوم “التيك أواي”، وتواجد مطاعم تقدم أكلات من مختلف البلدان، ما ساهم في توسيع دائرة الذوق العام في الأطعمة، ولذلك الانتشار تاريخ ومراحل عدة، مرت على برامج الطبخ.
نرشح لك : الشيفات الأكثر تفضيلًا لمحررات إعلام دوت أورج
ما قبل التلفزيون
في أربعينات القرن الماضي، أعلنت وزارة المعارف عن مسابقة لتأليف كتاب في الطهي، لاعتماده كمنهجٍ دراسي للفتيات، ليصدر أول كتاب طبخٍ عربي مكون من 800 صفحة، باسم “أصول الطهي”، كتبه كلٍ من بهية عثمان، ونظيرة نيقولا، فذاع صيته، وطبع منه 12 نسخة، وتحول لنسخة تجارية متداولة، بدلًا من هدف تدوينه الأساسي ككتاب مدرسي، ما دفع وزارة المعارف لإزالته من المنهج.
ذكر عمر طاهر في كتابه “صنايعية مصر” أن اهتمام السيدات الباحثات عن التغيير في وصفات الأكل التقليدية والمعتادة، حولوا أبلة نظيرة لـ”صنايعية طبخ”، وعُرف الكتاب باسمها دون بهية عثمان، نظرًا لأن الإذاعية الكبيرة صفية المهندس صاحبة أشهر برنامج عائلي في تاريخ مصر كلها “إلى ربات البيوت” طلبت منها أن تشارك بتقديم فقرة صباحية يومية في البرنامج، نجحت نجاحًا كبيرًا ثم فتحت لها مجلة “حواء” أشهر المجلات النسائية وقتها الباب لاستكمال رسالتها المكتوبة والتي تفرع عنها العديد من الكتب التي تحمل اسم أبلة نظيرة منفردًا.
بعد سنوات من ظهور “أبلة نظيرة”، والشعبية الكبيرة التي حققتها في الإذاعة، خصص التلفزيون المصري، في أول خريطة رمضانية له بعد افتتاحه، بتاريخ 17 فبراير 1961م، الموافق غرة شهر رمضان عام 1380، 15 دقيقة لأول برنامج طبخ تلفزيوني في مصر “طبق اليوم”، ويذاع في تمام الساعة 2:15 ظهرًا.
ظلت برامج الطبخ على التلفزيون المصري، متعلقة فقط بشهر رمضان الكريم، ولكن ليس بشكلٍ متخصص، فالبرنامج عبارة عن صورة بمقادير مكتوبة لـ”ست البيت”، الباحثة عن وصفات جديدة، وفي ذلك الوقت تحديدًا في مطلع الثمانينيات فوجئ جمهور “معرض الكتاب العربي” في بيروت، باحتلال كتاب “فن الطبخ” رأس قائمة الكتب الأكثر مبيعاً، ما تسبب في صدمة للوسط الثقافي، ازدادت بعد انتقال الظاهرة لمعارض الكتاب في القاهرة والرياض، ما جعل الوكالات العالمية تتناول الأمر على أنه حدث جلل في الأوساط الثقافية، ولم يُحللها أحدهم على أنها علامة على نهم المرأة في البحث عما يساهم في تجديد مطبخها.
لأول مرة برنامج للطبخ
في نهاية التسعينات، وجدت المرأة أخيرًا ضالتها، حيث ظهرت الشيف منى عامر، على القناة الثانية، لتقدم أول برنامج للطبخ، في تاريخ التلفزيون المصري، استمر 10 سنوات من النجاح المتواصل، والذي بدأ بفكرة اقترحتها “عامر” بعد عودتها من كندا، على صديقتها الدكتورة أميمة كامل، رئيسة شبكة الثقافية بالإذاعة والتلفزيون وقتها، بتقديم أصناف غذائية صحية في برنامج يخاطب المرأة، فكانت حلقة الوصل بينها وبين سهير الإتربي، رئيسة التليفزيون وقتها، والتي تحمست له، لينطلق تحت اسم “صحي ومفيد”، ثم “دايمًا عامر.. دايمًا أحلى”، مع منى عامر، التي لم يكن لها منافسًا لمدة 10 سنوات، لتبدأ مرحلة جديدة لبرامج الطبخ، وهي تخصيص ساعة أو على الأقل نصف ساعة للطبخ.
الرجال ينافسون
إذا وصفنا منى عامر بأنها “رائدة برامج الطبخ” في مصر، فإن أسامة السيد، الذي ذاع صيته في الأوساط العربية، بعد نجاحه وتدرجه في المناصب في أمريكا كأحد أمهر الطهاة، كان أسطورة الطبخ في مطلع الألفينات تحديدًا منذ 2004، حيث حجز لنفسه مساحة خاصة، عن دراسة وعلم وخبرة، ومع انتشار ثقافة الأقمار الصناعية، تمكنت السيدات من مختلف الدول العربية لمشاهد برنامجه “مع أسامة أطيب” على تلفزيون “دبي” الذي أصبح وقتها واحدًا من أهم برامج الطهي في العالم العربي، حتى إنه استمر لمدة 9 أعوام، انتهت في مارس 2013 بإعلانه مغادرة القناة، الذي تحول لمشهدٍ درامي شهير وقتها ببكاء متصلة جعلته يبكي بسبب كلماتها خاصة جملة: “أنت عوضت كل بنت فقدت أمها قبل الزواج، لقد تعلمت منك الكثير”.
تعثر التلفزيون المصري
في تلك الفترة لم يكن التلفزيون المصري غائبًا عن المشهد، فقد نافس، بالبرنامج الشهير “من كل بلد أكلة” الذي قدمه الإعلامي شريف مدكور على شاشة النيل للأسرة والطفل، الذي كان انطلاقة اثنين من أشهر شيفات الوقت الراهن هما: الشيف الشربيني، والشيف حسن، وقد حققت فكرة المذيع الذي يحاور الشيف وهو يطبخ نجاحًا واسعًا وجماهيرية كبيرة، ولكنه لم يدم كثيرًا فبعد 7 سنوات من تقديمه انتقل فريق العمل لقنوات فضائية أخرى، عام 2011، بعد اهتمام الشاشات الخاصة بزيادة متابعيها من السيدات، بالتجربة التي أثبتت نجاحها -برامج الطبخ-
الشيف النجم
ساهمت منافسة القنوات الخاصة على التعاقد مع شيفات لتقديم برامج الطبخ، لتحويل الشيف من طاهي لنجم، فنافست “الحياة” مع انطلاقتها بثلاثة شيفات هم: حسن كمال، الذي انتقل بعدها لـ”mbc”، ويسري خميس، والأشهر الشيف الشربيني الذي انتقل مع أسامة السيد بعدها لأول قناة مصرية متخصصة في الطبخ “cbc سفرة”.
قناة “النهار” أيضًا قدمت عدة برامج طبخ لكنها خرجت عن المألوف بتجميع 5 شيفات هم: علاء الشربيني، مقدم برنامج “لقمة هنية” عليها، وأنيسة حلو، ومنى الموصلي، واللبنانية الأمريكية بيتاني كيهدي، كأعضاء لجنة تحكيم النسخة العربية من أكبر برنامج مسابقات للطهو على مستوى العالم “the teaste”، حيث يختار كل شيف مجموعة من الهواء في فريقه، ويتنافس المتسابقون على اللقب والجائزة المالية الكبرى المقدمة من القناة.
النجم الشيف
خلال تلك المنافسة الدائرة بين القنوات، وتوغل فكرة برامج الطبخ، كان هناك سلوكًا مختلفًا سلكته بعض القنوات، مثل “أوربت” وقتها “ألفا” حاليًا، بتقديم فقرة طبخ فنية، أسندتها إلى الفنان المحبوب حسن الإمام، الذي يهوى الطبخ، حيث شارك الإعلامي عمرو أديب، والإعلامية نرفانا إدريس تقديم حلقات “القاهرة اليوم”، ليعد لضيوف البرنامج طبخة، يأكلونها في نهاية الحلقة.
قبل ذلك الوقت وتحديدًا في نهاية التسعينات واستمرت لسنوات طويلة، كان هناك فكرة مشابهة، تقدم في رمضان فقط على قناة “art”، وهي “طبق النجوم” حيث يظهر 30 نجمًا، كلٍ منهم يطهو الطبق الذي يتقنه بجانب الحوار معه، وقد شارك فيه الكثير من الفنانين وقتها، سواء كمقدمين للمواسم مثل رانيا فريد شوقي، وغادة عبد الرازق، وسمير غانم، أو كضيوف، الأمر الذي أصبح يتكرر في كثير من البرامج الفنية، وليس المرأة.
الطفرة
كتطور طبيعي لمزاحمة برامج الطبخ، خاصة في رمضان، على الأعلى مشاهدة، ولإدراك صناع الميديا بشعبيتها، قرر البعض خوض التجربة التي ما زالت تثبت نجاحها منذ 2006 الانطلاقة الأولى لأول قناة عربية مخصصة للطبخ “فتافيت”، والتي بالرغم من أن أغلب برامجها كانت بالإنجليزية، وترجمت للعربية، إلا أن ربات البيوت استقبلوها باحتفاء كبير، جعل القائمين عليها ينتجون برامجًا عربية مختلفة المضمون، يقدمها شيفات عربية من جنسيات مختلفة، وكان أبرزهم عباس فهمي مقدم “عباسيات”، و”أكلات عباس”، والذي قدم نمطًا مختلفًا تمامًا عما اعتاده المشاهدون لبرامج الطبخ في الوطن العربي، وهو “الذواق” الذي يزور في كل حلقة مطعمًا مشهورًا بأكلة ما، ليس ذلك فقط بل تحولت لقناة مشفرة من يريد مشاهدتها يدفع اشتراكًا.
Cbc سفرة.. الانطلاقة المصرية
عام 2013 انطلقت cbc سفرة في أول محاولة لتمصير قنوات الطبخ المتخصصة، بـ”خفة دم مصرية”، ظهرت في اختيار أسماء البرامج مثل “شبكة وصنارة” المتخصص في الأكلات البحرية، “ساندوتش وحاجة ساقعة” للمأكولات السريعة، و”مغربيات” للأكل المغربي، و”زعفران وفانيلا”، و”الأكيل” لمراد مكرم، وقد حققت نجاحًا كاسحًا حتى أشارت إحصائيات مشاهدة رمضان 2018 إلى تصدر نجلاء الشرشابي، مقدمة برنامج “على قد الإيد”، عرش برامج الطبخ، وأيضًا غادة التلي، مقدمة برنامج “زعفران وفانيلا”، على المركز الرابع.
تجربة قنوات الطبخ المتخصصة بدأت في الانتشار بعد إثبات نفسها عربيًا في فتافيت، ثم مصريًا في cbc سفر، التي حققت نجاحًا كبيرًا منذ انطلاقها، فخرجت بعدها أيضًا “بانوراما فوود”، عام 2015، بنخبة من نجوم الطبخ، ويجب التأكيد على لفظ “نجوم” لأن الشيفات تحولوا بالفعل خلال السنوات لنجوم لهم جمهور كبير، يظهر سواء من الاتصالات الهاتفية المتتالية على البرامج، أو ملايين المتابعين لهم على اليوتيوب.
تلك القنوات زادت من شعبية الشيفات، الذي أصبح كلٍ منهم يقدم لونًا مختلفًا، بعيدًا عن الآخر، ما قدم تشكيلة واسعة من الوجبات التي ترضي فضول المرأة العربية، ومنهم على cbc: الشيف الشربيني، ونجلاء الشرشابي، وأميرة شنب، وهشام السيد، وغادة التلي، وسالي فؤاد، وغادة جميل، ونادية سرحان، وعلى بانوراما فوود: الشيف حسن، وياسر فضة، وسارة عبد السلام، ومحمود عطية.
كما ظهرت قنوات أقل شعبية مثل “ست البيت”، و”تيستي” وغيرها، وهي الأقل مشاهدة، نظرًا لافتقارها لنجوم الصف الأول في عالم الطبخ، حيث أصبح متابعو وليس متابعات فقط، تلك البرامج يبحثون عن نجمهم المفضل ويتابعونه على أي قناة يظهر فيها، بل أصبح الكثيرون يهتمون بأدق تفاصيل حياته، ويتابعون صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، ومنهم “الست غالية” التي حققت نجاحًا وشعبية كبيرة منذ ظهورها على قناة 25 يناير.