1 – لا شىء أصعب أو أخطر من الجلوس فوق منصة القضاء، وبلا أى شروح للمعنى السابق يكفيك أن تسمع هذه العبارة التى تأتيك مرة فى شكل دعاء، وأخرى فى شكل تهديد، وثالثة فى شكل تذكير.. «ويل لقاضى الأرض من قاضى السماء». وإن لم تكفك السابقة لكى تفهم الأهمية القصوى لمن يجلس فوق منصة القضاء، يمكنك أن تسمع ما رواه أبو داود والترمذى عن النبى، عليه الصلاة والسلام، قال: «الْقُضَاةُ ثَلاثَةٌ، قَاضِيَانِ فِى النَّارِ، وَقَاضٍ فِى الْجَنَّةِ، قَاضٍ قَضَى بِغَيْرِ حَقٍّ وَهُوَ يَعْلَمُ فَذَاكَ فِى النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى وَهُوَ لا يَعْلَمُ فَأَهْلَكَ حُقُوقَ النَّاسِ فَذَاكَ فِى النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى بِحَقٍّ فَذَاكَ فِى الْجَنَّةِ». ومن بعد هذه وتلك يبقى السؤال: هل ترى للسابق من الكلام تأثيرًا على أداء المناصب القضائية المختلفة؟!.. لا تتعجل الإجابة.
2 – فى الجلسات القضائية الأخيرة، سواء الخاصة بمحاكمة المتهمين الإخوان فى قضايا مختلفة، أو تلك الخاصة بمحاكمة الشباب المتهمين فى قضايا تخص قانون التظاهر، شهدنا وسمعنا ما لم نسمع به من قبل داخل قاعات المحاكم، شاهدنا سجلات لم تكن معهودة بين بعض المنصات والمتهمين ، ومنصات تتهم الماثلين أمامها طلبًا للعدالة بأنهم ممثلون، وفتحنا صفحات الجرائد وقرأنا حوارات لقضاة يشتبكون فيها مع الواقع السياسى، وطالعنا صفحات على مواقع التواصل الاجتماعى واندهشنا بقضاة حددوا لأنفسهم موقعًا ضمن جهة سياسية معينة، وعقدنا مقارنات بين سير جلسات محاكمة الشباب، وجلسات محاكمة رموز نظام مبارك، بل مبارك نفسه، وأدهشتنا النتيجة، وأوجعت من فى جوفه قلب.
3 – صورة القضاء هى مسؤولية كل قاضٍ، إن أحسن التصرف أحسن إليها، وإن غاب عنه حُسن الكلمة والتصرف فوق المنصة أصابها بسوء، ولم نجد بين دفاتر الكتب ما ينص على أن «النهر» وسيلة يمكن استخدامها مع متهم، لأن القانون يعلمنا أن كل متهم برىء حتى تثبت إدانته، بل وجدنا أنه من حق المتهم على القاضى أن يجد اطمئنانا قادمًا من فوق المنصة، يصنع فى قلبه يقينًا بأن العدالة تأخذ مجراها. ما نعرفه أن للقاضى مجموعة من القوانين والأعراف تكفل له حق الرد على المتهمين، وسؤالهم، وإدارة الجلسة بمجموعة من الصيغ القانونية، والعبارات المصاغة بعناية شديدة يغيب من حُسن صياغتها أى إيحاء بوجود موقف من المتهم، كلمة القاضى بألف مما تعدون، ولذا قبل أن تخرج من فمه لابد من تمريرها على ميزان ذهب.
4 – فى كتاب «مغنى المحتاج إلى معرفة معانى ألفاظ المنهاج» لشمس الدين الشافعى عبارة تقول إن جمهور الفقهاء استلزم وجوب أن يكون القاضى قويًا من غير عنف، ليّنًا من غير ضعف، لا يطمع القوى فى باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، ذا فطنة وتيقظ، عفيفًا وورعًا، بصيرًا بعيدًا عن الطمع، فانظر إلى المنصات، واجعل من كلمات شمس الدين الشافعى كتالوجًا يرشدك إلى نوعها، ومصيرها.
نقلًا عن جريدة “اليوم السابع”