إسلام سيد
صرح عمر طاهر في أكثر من موقف أن مصدر دخله الوحيد من الكتابة ، مما يعني أنه يستيقظ صباحًا كل يوم رافعًا يديه إلى السماء داعيًا الله أن يرزقه بأفكار، وينام شاكراً حامداً بما جمعه من أوراق، إذن فهو رجل يعيش بحبر قلمه، ورأس ماله أوراقه، كتب الشعر والمقال والسيناريو والقصة والأغنية والكارتون والمسرحية.
نرشح لك: كتاب المواصلات.. لكاتب يعيش داخل “فايل وورد”!
كتابة عمر طاهر كما وصفها الدكتور حمدي النورج بـ ” اللقطة السحرية” فهو مثل الساحر الذي يبهر المشاهد ويخرج من قبعته أشياء غير متوقعة كالأرنب و الحمامة، فهو يبهر القارئ بأن يخرج من حياتنا اليومية معاني وأفكار غير متوقعة لم نكن نراها من قبل.. فيخرج مقال أو سيناريو أو قصة مبهرة.. مقالات أحمد خالد توفيق وعمر طاهر مميزة بأنها نص مفتوح يمكن أن يضم أي نوع من الأنواع الأدبية، مساحة من الدردشة المفتوحة في عمود يمثل نافذة ترى من خلالها كل ما يدور في عقل كاتبه.
عمر طاهر امتلك الإجابة على سؤال كل كاتب مبتدىء “هل تصلح الكتابة كمهنة أو مصدر رزق ؟” والإجابة على سؤال ابن رشد في فيلم المصير عندما قال بنبرة يأس: “أنا بكتب ليه ولمين مادام اللي بكتبه مبيوصلش لحد” فاختار عمر الكتابة كمهنة.
نرشح لك : عمر طاهر يكتب: تزوير الكتب وقبضة الهلالي!
تاريخ الأدب شهد تغيرات كثيرة في مكانة الكاتب المادية والمعنوية منها ما هو إزدهار وما هو إنهيار، فمثلاً في العصر العباسي كان هناك ما يسمى بـ ” أدب كُدية “؛ يتسول الكاتب بشعره في الشوارع ولا يجد من يسمعه، وفترات يأخذ فيها الكاتب مكانه الحقيقي ومكانته المستحقة ماديًا ومعنويًا، فيكون ندًا للملك أو الرئيس أو السلطان ويناطحه في الشعبية.. ففي عام 1933م كتب توفيق الحكيم رواية عودة الروح وهي التي ألهمت عبد الناصر بثورة 1952م، وعندما نجحت الثورة منح عبد الناصر قلادة الجمهورية لتوفيق الحكيم تقديرًا لملهمه، كاتب غيّر بروايته نظام الحكم، حوّل مصر من ملكية لجمهورية، بالإضافة إلى محاولة عبد الناصر كتابة رواية، حيث قال الكاتب محمد حسنين هيكل: “إن عبد الناصر كان يعشق القراءة وإنه كان بصدد كتابة رواية، لكن مشاغله السياسية منعته من استكمالها”، لكن بعد أن انتهى العصر الذهبي، وبدأت الثقافة المصرية في الهبوط، قال توفيق الحكيم: “انتهى عصر القلم وبدأ عصر القدم؛ يأخذ اللاعب في سنة واحدة ما يأخذه كل أدباء مصر من أيام أخناتون”.
نجد مكانة الكاتب الأوروبي الحقيقية الآن، حيث جوان رولينج إمرأة بريطانية فقدت وظيفتها وطلقها زوجها وتوفيت والدتها، أصبحت تعيش هي وطفلتها على نفقة الدولة بلا زوج ، بلا عمل، جاءتها فكرة رواية وهي تركب القطار فأمسكت الورقة والقلم لتكتب كل يوم في المقهى حتى أتمت كتابتها.. بعد عرض الرواية على 12 دار نشر مختلفة، وافقت دار نشر ” بلومبسري “على الرواية، صاحب الدار عرض الرواية قبل نشرها على ابنته لأنها من سن الجمهورالمستهدف لقراءة الرواية وهم الأطفال، فقالت له انشرها لأنني أريد قراءة باقي أجزاء الحكاية ليتم نشر الرواية باسم j.k.rowling لتكمل مسيرتها الأدبية التي توِّجت بنجاح ساحق، فأصبحت أول مليارديرة كوّنت ثروتها من الكتابة ومن أكثر النساء تأثيراً في العالم، وحصلت على وسام الشرف البريطاني.
نجيب محفوظ في مصر أديب نوبل كان يضطر للعمل في مهنة أخري ليعيش ويدفع التزاماته المادية، ستيفن كينج في أمريكا لم يحصل على جائزة نوبل، ذكر أن رصيده يزداد بمقدار عشرة ملايين دولار أسبوعيًا من أرباح إعادة طبع رواياته.. الفرق بيننا وبين الغرب أصبح شاسعًا في كل المجالات.
هل تأثير الكلمة الأوروبية يختلف عن تأثير الكلمة المصرية؟ أم هي عقدة الخواجة في كل شئ ؟
التربة الخصبة تساعد على نمو البذور التي يغرسها الإنسان وتسقط فيها الأمطار موجودة هناك فيجد الكاتب دعم مادي ومعنوي يساعده على نمو أفكاره، أما هنا فتجد تربة صحراوية لا تسقط فيها الأمطار ولا يجد الكاتب دعم مادي أو معنوي، ولكن الذكاء في زراعة المحصول الذي يناسب التربة، فيصنع الكاتب الأفكار القادرة على الإنتشار في مجتمعه والمناسبة للعصر.
عمر طاهر ألفة الجيل بشهادة الجيل نفسه والذين سبقوه، استطاع أن يحقق المعادلة الصعبة التي تجمع بين شهرة الأفكار وانتشارها وبين جودتها ورقيها، كتبه الأكثر مبيعًا يعاد طبعها حتى الأن، اسم عمر طاهر على أفيش فيلم كوميدي شهادة ضمان على نجاحه، يمكن أن نقول إنه أول كاتب مصري يشارك في إعلان تجاري ” كوكاكولا 2014″ وهذا دليل تأثير، قراره بأن يكون مصدر دخله الوحيد هو الكتابة قرار جرئ، فور تخرجه من الجامعة قام بتغيير خانة المهنة في البطاقة الشخصية من طالب إلى المهنة: كاتب، هذا القرار خطوة مهمة في مشروع إعادة مكانة الكاتب المادية والمعنوية، أن تصبح أرباح مبيعات الكتب توازي إيرادات الأفلام الكبيرة، أن تكون حفلات التوقيع ذات جماهيرية وحضور وإقبال بالآلاف من الشباب، أن تكون شعبية واسم الكاتب محور جلسات الشباب وأحاديثهم الجانبية بحالة من الإعجاب والإنبهار، صناعة كاتب نجم قدوة جيل، أن يحصل كاتب على المال والشهرة والتكريم واهتمام المسئولين والمساندة الإعلامية؛ هذه هي المعادلة الحلم في 2005 م تم اختيار الكاتب دان براون في قائمة مجلة التايم لأكثر الشخصيات تأثيرًا في العالم وأرجعت إليه المجلة الفضل في إنقاذ صناعة النشر من الاندثار وزيادة السياحة إلى باريس وروما.
نحن نحتاج أن يدخل كاتب مصري في قائمة التايم للشخصيات الأكثر تأثيرًا في العالم ليعيد العصر الذهبي للقلم، وينجح مشروع “المهنة كاتب” الذي أسسه عمر طاهر.