فنانة لم تنل الشهرة الكبيرة التي تستحقها بين الجمهور، إلا أنها بين رواد المجال الفني اعتبرت كواحدة أشهر العاملات في مجال الرقص الشرقي، حتى أنها لقبت بـ”قلب الأسد” و”راقصة الملوك والهوانم”.. إنها زينات علوي.
ما بين الفن والسياسة والإنسانيات، تباينت القصص التي تناولتها الصحافة حول سيرتها، ففي السياسة جعلوها “مجرمة خائنة” لأنها ذهبت إلى الجبهة وأغوت الضباط بجمالها، فغابت عقولهم ولم يستيقظوا إلا على صوت الرصاص والهزيمة المفجعة، وفي الفن أشادوا بأدائها وانضباطها الشديد، كما أثارت مواقفها الإنسانية الداعمة لزملائها تعاطفًا كبيرًا معها حتى الآن.
الهروب من القسوة للرقص
زينات مواليد ١٩ مايو ١٩٣٠، بمحافظة الإسكندرية. هربت من قسوة والدها وإهاناته المتكررة لها وهي في عمر الـ16 عامًا، حيث توجهت للقاهرة، وانضمت لكازينو بديعة مصابني، لتشارك مع مجاميع الراقصات اللواتي يظهرن على المسرح لإلهاء الجمهور حتى تستعد “الست بديعة”. وبمرور الوقت تقدمت “زينات” الصفوف، وأصبحت تقدم فقرة رقص خاصة بها، حتى منحتها “بديعة” راتبًا من الفئة الأولى للراقصات بعدما أصبح لها جمهورًا خاصًا بها.
كانت هجرة بديعة مصابني من مصر سببًا كبيرًا في تهافت العروض على “زينات”، لتنضم بعدها إلى فرقة “شكوكو” المسرحية الاستعراضية، ومن ثمَّ ظهرت في عشرات الأفلام السينمائية، حيث كنت تشترط أن يقتصر دورها على مشاهد الرقص فقط، بينما شاركت في مسلسل واحد هو “السفينة التائهة” عام 1971.
ونظرًا جمالها وملامحها الطفولية تهافت العديد من الفنانين على طلب الزواج منها، مثل عبد السلام النابلسي ورشدي أباظة لكنها تمنَّعت لسنوات طويلة، قيل وقتها إن السبب كان عقدتها من الرجال بسبب قسوة والدها عليها، حتى أن الزيجة الوحيدة التي ترددت أنباء عنها كانت من الصحفي محب مانع، الذي كان يمتلك مجلة “أخبار النجوم”، لكن هذا الأمر أيضًا غير مؤكد، فقد وصفتها العديد من الصحف بـ”راهبة الرقص الشرقي”، لأنها لم تتزوج أبدًا، مما يشكك في صحة هذه الزيجة.
إنسانيات زينات علوي
لم تخل سيرتها من المواقف الإنسانية التي دعمت فيها زملائها، ففي مقاله بصحيفة الشرق الأوسط تحت عنوان “من الذي لا يحترم تحية كاريوكا وزينات؟”، يقول الكاتب الكبير أنيس منصور: “هي أحسن راقصة مصرية بعد كاريوكا، لأن أداءها سهل وجميل ولا تبتذل في حركاتها، الأهم من كل ذلك موقفها النبيل مع عدد من الصحافيين والكتاب الذين فصلهم الرئيس عبد الناصر”.
ويضيف: “أنا مثلا، رأيتها تزور الشاعر كامل الشناوي، فلما وجدته نائما ظلت جالسة حتى نهض من فراشه، وكان يسهر الليل وينام النهار، وهددت بأن تلقي بنفسها من النافذة إن لم يأخذ مبلغا من المال، وكان بضعة آلاف، واعتذر كامل الشناوي”.
تابع: “كانت مفاجأة. اعتدل كامل الشناوي ونظر إليها ونظر لي. وبذكائه الخارق فهم لماذا جاءت.. وقبل أن ينطق بكلمة أخرجت زينات علوي من حقيبتها لفافة من الفلوس لا أعرف كم.. وقالت: والله العظيم يا كامل إذا ترددت في قبول هذا فسوف ألقي بنفسي من النافذة. والله العظيم.. وتعجبنا لأنها كادت أن ترمي نفسها بالفعل، فسكت كامل الشناوي ولم يقل أي شيء.. وقبلته زينات علوي.. وشددت عليه أن نلتقي مساء والتقينا”.
واختتم مقاله كاتبًا: “بعد وفاتها، الله يرحمها، جاءتني إحدى قريباتها ومعها خطاب، وفي الخطاب فلوس مساعدة منها لفنانة (غلبانة) لا يعرفها أحد، فكيف لا نحترم هذا الطراز من الفنانات؟”.
النكسة والوفاة
أما الواقعة الأبرز في حياتها فكانت ما حدث ليلة نكسة 5 يونيه 1967، حيث أحيت حفلًا فنيًا أقامته الإذاعة لرفع الروح المعنوية للجنود والضباط، بقاعدة أنشاص العسكرية فى بلبيس، وقدمت فقرة راقصة استمرت حتى الساعات الأولى من الصباح، ليهجم العدو بعد ذلك ويحدث ما نعلم به جميعًا في ذلك اليوم.
لم تظهر “زينات” سوى بعد النكسة بعامين، في مشاهد قليلة ضمن أحداث فيلم “السراب” عام ١٩٧٠، ثم اختفت لمدة ثمانية عشر عامًا، حتى توفيت في ٥ يناير ١٩٨٨، حيث وجدوا جثتها بعد مرور ٣ أيام على الوفاة.. لترحل وحيدة بسبب الفقر والمرض الذي عانت منه في أياها الأخيرة.