كيرلس عبد الملاك
نال الأقباط المدافعين عن العقيدة المسيحية الأرثوذكسية خلال الأيام الماضية هجمات شرسة متتالية من خلال الصحافة والإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي من العديد من الأشخاص منهم صحفيين، وإعلاميين، وشخصيات عامة لا لشئ إلا لأن أحد الظنون قد انتشر مثل النار في الهشيم على أنه حقيقة دامغة وهو أن قاتل رئيس دير الأنبا مقار من الأقباط الذين رأوا في الأسقف المغدور به شخصا خارجا عن العقيدة المسيحية الصحيحة بسبب تبعيته للأب متى المسكين وأفكاره العقيدية المخالفة لعقيدة الكنيسة القبطية ظنا منهم أن الأقباط مثل هؤلاء المتشددين الذين يرون في القتل حلا مقدسا سهلا للنيل من الهراطقة والمبتدعين على غير الحقيقة والواقع.
لقد ادعت إحدى الصحفيات في مقال لها أن هذا الحادث الدموي ناتجا عن الكراهية التي زرعتها الكنيسة القبطية في عهد البابا الراحل شنودة الثالث ضد تعاليم الأب متى المسكين.
نرشح لك : دينا عبد الكريم تكتب: التدين يتعافى
وقد وضعت هذه الصحفية المسيحية، للأسف الشديد، في مقالها كل التحريفات الممكنة والتلفيقات الخيالية المتاحة في عقلها لما كان حادثا بين الأب متى المسكين والبابا شنودة، مغيرة من الحقائق التاريخية تماما طمعا في إثبات وجهة نظرها المترصدة للكنيسة القبطية وعقيدتها قبل الانتهاء من تحقيقات النيابة، في استباق غريب غير مبرر للأحداث.
وذهبت بخيالها إلى حد وصف العلاقة بينهما بالصراع الدامي أي الذي سالت منه الدماء، متجاهلة تماما أن البابا شنودة رفض تجريد الأب متى المسكين من رتبته الرهبانية أو الكهنوتية كما أنه زار دير الأنبا مقار وقابل الأب متى بكل مودة ومحبة، مؤكدا بشكل عملي أن البدع والهرطقات لا تقاوم بالكراهية بل بصحة التعليم، مكتفيا بإصدار كتابه الشهير “بدع حديثة” الذي وضع فيه الردود العقيدية السليمة على بدع الأب متى المسكين.
ليست هذه الصحفية فقط بل شخصيات عامة شهيرة من الأقباط وغير الأقباط سقطت في المساهمة في نشر هذه الشائعة الكاذبة وهي ضلوع أقباط من أبناء البابا شنودة كما أسماهم أحد الإعلاميين في تلك الجريمة الشنعاء، متجردين من كل المبادئ الإنسانية التي تدفع أي إنسان سوي إلى عدم تلطيخ سمعة أي شخص بأي ادعاء خاصة إذا وصل إلى حد الجريمة، فقبل أن أنشر ظني على الملأ وأجذب إليه الخبثاء والملفقين من المفترض أن أتروى وأتأكد وأترك لجهات التحقيق والمحاكمة حق التحقيق والمحاكمة.
الآن وقد وجهت النيابة الاتهام بالقتل العمد لراهب تلميذ لمدرسة الأب متى المسكين بسبب خلافات شخصية مع رئيس الدير، من يُرجع الحقوق المعنوية للأقباط التي أهدرت بادعاءات التشدد والرجعية والدموية والعنف؟ ومن يعيد الزمن الذي عبر مملوءا بالتهجمات والتعديات والتلفيقات التي اجتذبت الكثيرين من كارهي الكنيسة القبطية؟
لقد كشفت تحقيقات النيابة عن أن الحادث ناتج عن خلاف شخصي وليس عقيدي كما أن الراهب الموجهة له تلك التهمة كان طالبا للرهبنة في دير الأنبا مقار منذ عام ٢٠٠٧ أي قبل أن ينتقل الدير إلى السلطة الفعلية للبابا شنودة، أما عن الصورة المنتشرة لإلباس البابا شنودة لهذا الراهب ملابس الرهبنة فهي ليست دليلا على أنه منتميا لفكره العقيدي، فالبابا تواضروس الثاني مرسوما من البابا شنودة راهبا ثم أسقفا عاما ومع ذلك لا يعتبر منتميا لفكره، نقطتين هما المحددتان للانتماء الفكري للراهب وهو الدير الذي رشحه والراهب الذي تلمذه، أما رسامة البابا فهي خطوة روحية إجرائية كتحصيل حاصل، فضلا عن أن هناك صورة تجمع ذلك الراهب بالراهب كيرلس المقاري تلميذ الأب متى المسكين في عام ٢٠٠٩ تؤكد تبعيته وتلمذته له.
وللتذكير، فإن البابا شنودة الثالث قد انتقد المدرسة الرهبانية للأب متى المسكين في مقطع مصور له متاحا على شبكة الإنترنت حيث كشف أن من رهبانها من ذهب إلى المستشفيات ومنهم من ترك الحياة الرهبانية بأكملها ومنهم من انتقل إلى أديرة أخرى بسبب الخلل الموجود فيها وكان جميع رهبانها يرفضون التدخل الإداري من الكنيسة في عهد البابا شنودة إلى عام ٢٠٠٩، وكان على البابا تواضروس أن يلتفت إلى هذا الخلل ليعالجه لكن التباطؤ والتباسط في التعامل مع دير الأنبا مقار أدى إلى هذه الحادثة الدموية.