قد تبدو شهادتي مجروحة أو ذات غرض ما، في تناول فعاليات الدورة الحادية عشر، من مهرجان وهران للفيلم العربي، الذي انعقد في الفترة من 24 الى 31 يوليو الماضي، ذلك لجهة ارتباطي بشكل ما، بالإدارة الفنية للمهرجان .
لذلك من المناسب أن أتجاوز فعاليات المهرجان بانجازاته و إخفاقاته، لأسجل بعض الالتفاتات التي حدثت على هامشه والتي أثارت لدي شعوراً بالغاً بالارتياح؛ وهو شعور قاسمني أياه بعض من رفاقي مِن الصحفيين والفنانين وصناع السينما المصرية والعربية .
المطار أولى المحطات.
كانت المسافة بين القاهرة والجزائر نافذة مشرعة على السينما، و التقاط ما سقط عن بصر المشاهد العادي، حيث كان حسن الحظ حليفي هذه المرة، عندما وضعني مضيفو مصر للطيران بجوار مقعد الاستاذ مجدي الطيب، الناقد السينمائي الحصيف والثاقب النظر، حيث بدت الساعات الأربعة بمثابة لحظات خاطفة، ونحن نتبادل الاّراء والرؤى حول السينما العربية، قديمها وحديثها، وآخر اخبار المهرجانات والمشاهدات الواعدة ..
نرشح لك: قائمة جوائز مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي 2018
كان وقتاً مسترقا وغارقاً في سحر الفرجة، وتحديات الصناعة.
قبل ذلك كنت قد التقيت الكبيرين المخرج خالد يوسف، و النجم محمد هنيدي، على لونج مسافري الدرجة الاولى، و تجاذبنا أطراف الحديث حول مشاركتهما في مهرجان وهران، الاول بفيلمه “كارما” كفيلم افتتاح الدورة، والثاني باعتباره مكرماً . . وقد حدثني خالد أن آخر مشاركة لأفلامه في المهرجانات كان في عام 2011، وكانت آخر محطة مهرجان وهران بفيلم “كف القمر” وبعد غياب عن الإخراج دام سبع سنوات، عاد عبر بوابة وهران مرة أخرى ليكون أول عرض لـ كارما في وهران ايضا على مستوى المهرجانات السينمائية . بينما بدا هنيدي شغوفاً للتعرف على الجزائر حيث كانت الزيارة الأولى له .
وهران المدينة، وسفير فوق العادة
المطارات واجهات المدن، والمكان الذي يرسم الانطباع الأول للتجربة، فالكثير من الرحلات تبدأ وتنهي في المطارات، وبعضها يتجاوز اللحظة لينتمي لما بعدها، في وهران كانت التجربة عصية على النسيان، حيث على بوابة المطار كان يقف رجل دمث الأخلاق، رفيع الصفة، لإستقبال الوفد الفني المصري، لم يكن ذلك الشخص سوى سعادة السيد عمر أبو عيش، سفير مصر بالجزائر، الذي أنتقل من مقر إقامته بالعاصمة مع قرينته الى وهران، ليرحب بفناني مصر .. (خالد يوسف/ محمد هنيدي/ أمير اباظة / ميرفت عمر / عفاف شعيب ..)
من اللحظة الأولى تكتشف ان الرجل من طراز خاص من منسوبي الديبلوماسية المصرية، قلما تجد له مثيل، في جميل تواصله، وخفة روحه، وتواضعه الجم .. بعبارات أنيقة رحب بنا و قاد الموكب نحو فندق الرويال، لتبدأ مهمة أخرى للسفير، بعد ان انضم إلينا بقية الوفد المصري، منهم المنتج الكبير محمد العدل وحرمه، و الفنان طارق عبد العزيز، .. على مائدة الغداء شرع السفير في تقديم شرحا مفصلا عن تاريخ العلاقات بين مصر والجزائر، ثم انتقل الى الراهن السياسي والاقتصادي و آفاق التعاون القائمة والواعدة كاشفا عن الرحلات الجوية الجديدة التي تم اطلاقها بين وهران و شرم الشيخ كجزء من السعي لتنويع الوجهات السياحية وتوطيد التعاون بين البلدين .
لكن دور السفير لم يقتصر عند هذا الحد الرسمي، بل ظل ضالعاً في تذليل كل العقبات امام الوفد المصري، بتدخلاته واقتراحاته للحلول، بدا كرجل مطافئ محترف يتدخل عند اللزوم لإطفاء أي أزمة مفترضة، بل وفِي مساهمته بالعزف على البيانو للست أم كلثوم حتى يضفِ للقاءات حميمية عربية رائقة .
فيما ساهم كل من النجم محمد هنيدي والمنتج محمد العدل، و الناقد الامير اباظة، في خلق أجواءً مواتية للرقي بالمناسبة الى ذروة جمالها، بلمساتهم الانسانية، وبمرحهم وحكمتهم في آن واحد . .
وقد بدا هنيدي في قمة تألقه الفني، والانساني سيما في حفل الافتتاح و في الندوة التي أقيمت لتكريمه، حيث تجاوز كليشيهات الندوات الكلاسيكية، ناثرا عطوراً من البهجة والمحبة الممزوجة بخفة دمه المعروفة .
هاني عادل.. تجسير الهوة
الفنان هاني عادل بدوره ساهم بشكل كبير في كسر الصورة النمطية للنجم المقيم في “برج عال” حيث بدا تلقائيا في تواصله مع الصحفيين والنقاد، بل مع جمهور وهران العادي، وبحضوره المنتظم في قاعات العرض السينمائي .
لعل هاني مثّل النموذج الإيجابي لهذا الجيل من النجوم، على عكس الكثير من أقرانه الذين سرقتهم الأضواء، وبنت على غفلة منهم متاريساً افتراضية بينهم وبين محبيهم، و لعل انطواءه السابق عن الاضواء و عزوفه عن الحضور المتكرر في الإعلام كان قد رسم صورة نمطية حوله، وقد نجح في مهرجان وهران من تبديد معالم تلك الصورة المتخيلة، وهو يتحرك برشاقة بين حضور الحضور والتواصل مع الجمهور، بل والمشاركة في اداء اغنيات جزائرية تفاعل معها نجوم المهرجان مِم فنانين و نقاد وصحفيين في الجلسات المسائية .
الرفيق قبل الطريق
لا يمكن الوصول لخاتمة هذه الإطلالة دون العروج الى ادوار الكثير مِن الزملاء الذين أجادوا عملهم في تغطية فعاليات المهرجان وعلى رأسهم النقاد والصحفيون منهم : الاستاذ مجدي الطيب الناقد الثاقب الرؤية، والزملاء النقاد : محمد عبدالرحمن، محمود موسى، محمد قناوي، خالد محمود، ميرفت عمر، أندرو محسن، شريف عوض و العمدة محمد عمران؟
كما لا يمكن نسيان المبدعين الذين زينوا الشاشات باعمالهم الشابة والمتفردة وبحضورهم الجميل والمميز : المخرج عادل احمد يحي، المخرجة سارة رياض، المخرجة نوران طارق والمخرج يوسف واخرين . كل هؤلاء يستحقون الشكر والتنويه.