مع تقديري واحترامي للدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، إلا أني أختلف معه فيما وصل إليه من رأي قاطع حول حج النافلة، سرده وشرحه قبل أسابيع بمسجد الإمام الحسين، في خطبة عنوانها «قضاء حوائج الناس والمجتمع أولى من تكرار الحج والعمرة»، أكد فيها أن إطعام الجائع وكساء العاري وسداد ديون الغارمين والغارمات وبناء المدارس ورصف الطرق وقضاء حوائج المجتمع أولى وأعلى ثَوَاباً ومرضاة لله عز وجل من تكرار الحج والعمرة.
ويتجدد الجدل السنوي حول أولوية التفضيل بين تكرار الحج أو التصدق بالأموالِ على الفقراء، وذلك مع الرغبة المستمرة لدى عموم المسلمين (وخاصة المصريين) في تأدية الحج أو العمرة وتكرارهما كلما أمكن ذلك، ويتركز الحديث أكثر على «نافلة» الحج والعمرة (تطوع ما بعد الفريضة)، خاصة بعد أن اشتدَّ الفقر وتعاظَمَتْ معاناةُ المصريين بفعل قرارات الإصلاح الاقتصادي المستمرة.
وربما هذا ما جعل وزير الأوقاف يكرر رأيه (السنوي)، مصوباً كلمات من العيار الثقيل لعله يصيب الهدف، حيث أشار بحسب صحيفة «المصري اليوم» إلى أن المتدين الحقيقي والوطني الحقيقي هو من يخاف على وطنه خوفه على بيته وعِرضه، ويرعى ما فى وسعه ونطاق مسؤوليته من مصالح وطنه رعايته لمصالح نفسه وأشد، فمصالح الأوطان من صميم مقاصد الأديان.
ويتفق بعض العلماء مع ما ذهب إليه الوزير، بل ووافقته الرأي «دار الإفتاء المصرية» مؤكدة أنَّ أحب النفقة إلى الله تعالى هي ما كان أنفعَ للناس وأجدى في صلاح أحوالهم وإنعاش اقتصادهم، واستندَتْ إلى ترتيب الأولويات في التشريع الإسلامي، الذي أوصى عند التعارض بتقديم المصلحة المتعدية على القاصرة، والعامة على الخاصة، والناجزة على المتوقَّعَة، والمتيقَّنَة على الموهومة.
وفي المقابل، اتفق علماء كبار على مرِّ التاريخ على أن حج النافلة أفضل من التصدق بقيمة المال الذي سيُنفَق فيه، ومنهم ابن تيمية الذي قال: «الْحَجُّ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ الَّتِي لَيْسَتْ وَاجِبَةً»، استنادًا لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سُئِل أي الأعمال أفضل؟ قَالَ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ. قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ. (رواه البخاري ومسلم). وهناك أحاديث نبوية متعددة أيَّدَتْ المعنى السابق، وعَظَّمَت من قيمة الحج والعمرة وتكرارهما، وهو ما لا ينفيه أصحاب الرأي الأول.
وأتوجه بسؤالي إلى معالي وزير الأوقاف، إذا كنت قد أديت كل ما علي تجاه ديني (من زكاة وصدقات)، وتجاه وطني (من تبرع في صندوق تحيا مصر وغيره من أوجه العمل التطوعي، وسداد ما علي من ضرائب مستحقة في مواعيدها)، لماذا تحرمني بعد ذلك من أن أتطوع بالحج والعمرة ما استطعت ذلك؟، خاصة بعد أن تم فرض رسوم إضافية في كل من مصر والسعودية، على كل من زاد عن “المرة الأولى”.
ظنِّي أن النوافل وأعمال التطوع في الإسلام يجب أن تخضع لقرار الشخص الذي سيقوم بها وقدرته ورغبته وحاجته الإنسانية، فهي أمور لا يصلح معها الفتاوى الجاهزة والموجَّهَة، طالما ما يقوم به الإنسان من نوافل (سواء حج أو عمرة أو صدقة أو صوم) يأتي في إطار الحلال والمشروع.
بالطبع لن يتوقف النقاش والجدل حول التفضيل بين حج “النافلة” وصدقة “التطوع”، وهو نقاش محمود واختلاف صحي، كما أتفق مع أي إجراءات منظمة لضبط أعداد المترددين على الأماكن المقدسة لضمان سلامة الحجاج والمعتمرين، لكني أعتقد أن وصف حجاج “النافلة” بعدم الوطنية في غير محله.