دائماً ما يشهد يوم ذهابي إلي العتبة “سور الأزبكية” أحداثاً مثيرة لاتقل دهشة عن محطة العتبة في المترو بما تحتويه من ألعاب والحمام الطائر “اليويو” وشواحن الموبايلات ومختلف أنواع الدهشة التي لا تراها إلا ربما في السيرك ، وبالفعل خرجت من المحطة في اتجاه سور الأزبكية لإقتناء مجموعة كُتُب ، لكن قبل التوغل في السور ذهبت إلي المسجد قبل صلاة الظهر بوقتٍ قليل ، دخلت المسجد ومن ثم “المرحاض” ومن داخل أحد المراحيض “عفواً” أخذت أتأمل المكتوب علي بابه من الداخل بالتأكيد وجدت الجملة الأشهر في تاريخ مراحيض المساجد إن لم تكن الإلياذة “سيستمر الغلاء إن لم تتحجب النساء” والكثير من عبارات من عبارات التخوين والسب للسلطة الحالية وصفوف المعارضة ، هكذا إعتاد الكثير من رواد المساجد بعد 30 يونيو ، لكنّ المُدهش والمثير لكل علامات التعجب في كوكب الأرض حينما قرأت تلك العٍبارة “تعيش الثورة الإسلامية” أُقسملك بأن هذا حدث !!!
ذهبت للوضوء ثم أُقيمت الصلاة وانتهيت من أدائها وخرجت ، بدأت الجولة في السور ومجرد التجوال في السور متعة كبيرة لايدركها إلا الزوّار المنتظمين ، الملامح الجادة التي تسأل عن الأعمال الكاملة لجاهين ، العدسات المضغوطة التي تُخفي عينان تقرأ بمعدلات مذهلة ، البائعين الطيبين الذي تسأل أحدهم عن ديوان فلان يقولك لا والله بس ديوان علان موجود علي غرار جابر الزاد ونفّع واستنفع وأحمد زي الحاج أحمد ، ذهبت قاصداً الأعمال الكاملة للشاعر الفخم “بيرم التونسي” وبالصدفة علي الضهر وجدت رائعته التي غنتها السيدة أُم كُلثُوم “القلب يعشق كل جميل” ، كُنت قد تعرضت لحرجٍ بالغ بعدما تذكرت ما رأيته في أول اليوم وقلت ” ياخوفي ياعم بيرم لو كنت دخلت معايا المسجد” ، قمت بالشراء وأخذت أتجول داخل السور وكأن كل الكُتّاب يرمونني بنظراتٍ حادة ، طه حسين من تحت عدساته السوداء ب “الأيام” أكملتها بنفسي “السودا” ومصطفي محمود “عصر القرود” عايشينه بحذافيره والله ، يوسف إدريس “قاع المدينة” إحنا عدينا القاع يادكتور ، فؤاد حدّاد “أيام العجب والموت” تقريباً شعار المرحلة ، حتي الذي لانعرفه ولا يعرفنا فيكتور هوجو “البؤساء” بدأت دقات القلب تتزايد عن معدلها وأصبحت أتحاشي النظر إليهم ، حتي حاصرني مصطفي محمود بـ “الشيطان يسكن بيتنا” فضحكت رغماً عن إرادتي وقررت الرحيل ، إلي أن رأيت ديل كارنيجي مبتسماً علي غُلاف كتابه “دع القلق وابدأ الحياة” فبدأت اهدأ قليلاً لكني غادرت مُحدثاً نفسي “كفاية بهدلة لغاية كده”
حملت في الحقيبة “غلة اليوم” وخرجت مُسرعاً خشية أن يضربني أحدهم بنظرة جديدة ، وبدأت أُفكر في صاحب القلم المُبدع صاحب النظرة الثورية في المراحيض ، تذكرت أزمة خلع الحجاب فلم أجد أملاً في فهمٍ دقيقٍ للمسألة لكنّي تذكرت رد صاحبنا علي المسألة حيث مستوي فكري ملائم “سيستمر الغلاء ان لم تتحجب النساء” لكنّي فشلت تماماً في فهم نظرية “سوشيال ميديا الحمّام” من يكتب تلك الرسائل ، وكيف ستصل لغير المُحجبات ؟
كيف أُصيب المنطق في مصر بالشلل الرباعي ، فالجميلة التي أطلقت شعرها الناعم ليتخلله الهواء الطلق لن تذهب لحمام المسجد بالتأكيد تحت أي ظرف من الظروف ، ولن يتشجع أي مُحب لها من العائلة أن يُعطيها موعظة من خلال رسائل المرحاض ، ثم من تخاطب بـ “عاشت الثورة الإسلامية” في الحمام وهو مسكن الشيطان طبقاً لمعلومات الجدة رحمها الله ؟
ولماذا اقتصر غلاء الأسعار علي الحجاب دون السرقة والفساد والإرهاب والتطرف والغش والجشع والظلم والتنكيل بالمعارضين وتكفيرهم (قُصور فكري حاد)…….ثم تذكرت المناقشات التي رأيتها علي مواقع التواصل فهبط علي رأسي ألف شخص ربما جاء ليكتب هذا ، وتذكرت برامج التوك شو فهبط الكل إلا قليلاً مما رحم ربي حتي لو كتبوا عبارات مختلفة لكنها لاتختلف كثيراً في المضمون ولا السطحية ثم تذكرت تلك الوجوه جميعاً معتذراً للكاتبة “أحلام مستغانمي”عن إستعارة عنوان كتابها الناجح “الأسود يليق بك” !