أسماء شكري
حالة فنية نادرة قليلًا ما تتكرر، صاحب أشهر “اللزمات” وعبقري في تقليد الشخصيات والأصوات؛ أنجح من قدّم برامج الكاميرا الخفية والمقالب، إنه الفنان إبراهيم نصر الذي يحل اليوم الـ 18 من أغسطس عيد ميلاده الـ 72.
البداية مع التقليد
اشتهر إبراهيم نصر منذ صغره بتقليد أصدقائه وأقاربه؛ وفي المرحلة الثانوية وطوال دراسته بالجامعة انتقل لتقليد الفنانين؛ ووصل لدرجة من التمكن بحيث لا تستطيع التمييز بين صوته وصوت الفنان الذي يقلده.
بدأ طريق الاحتراف ودخول عالم الفن من بوابة التقليد أيضًا، حيث تقدّم للتلفزيون وتبناه المخرج محمد سالم وقتها؛ ليقدم برامج أشبه بالـ “ستاند أب كوميدي” عبارة عن مونولوجات كوميدية واسكتشات وتقليد فنانين، ومن هذه البرامج انطلق إلى الدراما التلفزيونية والمسرح، والسينما فيما بعد.
الكاميرا الخفية أصابته بالاكتئاب
عندما يُذكر اسم إبراهيم نصر يتبادر إلى الأذهان فورًا حلقات الكاميرا الخفية التي قدّمها على مدار 17 سنة، وهي أشهر أعماله والسبب الأكبر في شعبيته، قدّم منها ما يقرب من 500 حلقة شاملة كل أنواع الشخصيات بأفكار مختلفة وعديدة، بدأها ببرنامج “إنسى الدنيا” قبل ابتكاره لشخصية زكية زكريا؛ وهذه لها قصة أخرى.
يحكي “نصر” قصة شخصية “زكية زكريا” ومن أين جاءته الفكرة وكواليس تنفيذها؛ بأنه كان قد قدّم الكاميرا الخفية لسنوات طويلة بكل الشخصيات المختلفة للرجال حتى أصابه الملل، فابتكر شخصية زكية زكريا من ثلاث سيدات قابلهن في الحقيقة؛ مستغلًا قدرته في تقليد الأصوات؛ حتى صارت “زكريا” الشخصية المحببة لدى المشاهدين وقدّمها في فيلم بعنوان “زكية زكريا في البرلمان” ومسرحية “زكية زكريا والعصابة المفترية”، ووصلت لدرجة من النجاح حتى تم إنتاجها كعرائس للأطفال وفوانيس رمضان وتماثيل.
رغم نجاحه في الكاميرا الخفية وشخصية زكية زكريا بالتحديد التي عشقها المشاهدون وأضحكتهم لسنوات؛ إلا أنها أصابته بالاكتئاب؛ فيقول “نصر” خلال حواره مع الإعلامي عمرو الليثي في برنامج “بوضوح”: “الكاميرا الخفية ضحّكت الناس وأصابتني بالكآبة.. لأني بقول لنفسي كان ممكن أعمل أحسن من كده، وأنا بتفرّج عليها دايما بلوم نفسي ومضحكش”.
تكرار تجربة زكية زكريا
توقَّف إبراهيم نصر عن تقديم زكية زكريا من تلقاء نفسه خوفًا من الوقوع في فخ التكرار والملل واستهلاك الأفكار؛ رغم المبالغ المالية الضخمة التي عُرضت عليه لتكرار التجربة بإمكانيات عالية، موضحًا أنه عُرض عليه في الحلقة الواحدة مبلغ مليون جنيه ولكنه رفض؛ لأنه يخشى ألا تحقق “زكريا” نجاحها السابق أو تخرج دون المستوى الذي يتمناه.
يا نجاتي أنفخ البلالين
يتمتع إبراهيم نصر بقدرة هائلة على ابتكار اللزمات والإفيهات سواء من خلال الكاميرا الخفية ولزمات زكية زكريا المعروفة والتي ما زال الناس يستخدمونها حتى اليوم مثل: “يا نجاتي أنفخ البلالين عشان عيد الميلاد/قلبك قلب خساية”، أو من خلال أعماله الدرامية والسينمائية التي حفظ الناس إفيهاته فيها مثل: “حي والعز جاي” في مسلسل “في المرآة” و “يا مدام كوثر” من فيلم “إكس لارج”.
يحكي “نصر” أن هناك صحفي كتب عن لزمته في إحدى المسلسلات وهي “الكبير كبير والنص نص نص نص والصغير ما نعرفوش”؛ أنه لأول مرة في تاريخ اللزمات تكون هناك لزمة مكونة من 9 حروف ويحفظها المشاهِد بسهولة ويحب ترديدها.
عقدة الاختيار
دائمًا ما يدقق إبراهيم نصر في اختياره لأدواره ولا يتعجل؛ وهذا يفسر قلة الأعمال التي شارك فيها بالمقارنة بعدد سنوات مشواره الفني، فيقول في حواره مع الإعلامية إيمان الحصري في برنامج “مساء dmc”: “أنا مبعرفش أعمل حاجة نص نص.. يا أعمل الشغل وأنا واثق إني هوصله للناس باحترام، يا أتنازل عنه” مستطردًا: “مفيش دور عملته بهزار.. يا مخلصًا يا ما أعملهوش”.
يؤكد دائمًا أنه لا تهمه النقود ومقدار أجره بقدر ما يهمه تقديم عمل جيد يبهر الجمهور ويظل يتذكر دوره به، فيقول خلال حواره في برنامج “الستات ميعرفوش يكدبوا”: ” مش أنا الراجل اللي تضحك عليه بتفاحة أو عنقود عنب، أنا الراجل اللي تضحك عليه بعمل كويس”.
وبسبب هذا التدقيق والانتقاء الجيد للأدوار، يغيب “نصر” عن جمهوره بالسنوات ولكنه عندما يطل عليهم يكون من خلال عمل ناجح ودور عظيم، مثلما غاب قرابة الـ 10 سنوات وعاد بفيلم “إكس لارج” الذي حصل على ثلاث جوائز عن دوره فيه، وابتعد بعده لمدة 7 سنوات حتى ظهر في رمضان الماضي 2018 بدور متميز في مسلسل “فوق السحاب”، وقد أكد منهجه هذا خلال حواره مع الإعلامية إسعاد يونس في برنامج “صاحبة السعادة”؛ قائلًا: “أنا كل ما يصادفني عمل حلو هعمله حتى لو كل 5 سنين”.
ليس كوميديًا فقط
من النادر وجود فنان كوميدي يجيد أيضًا الأداء التراجيدي والعكس؛ ولكن إبراهيم نصر نجح في تقديم اللونين بنفس البراعة والتمكن؛ وفي أحيان كثيرة نجح في مزجهما داخل نفس الشخصية التي يقدمها؛ مثلما حدث في فيلم “إكس لارج” فأغلب مشاهده يتحول فيها ما بين الكوميديا والتراجيديا بسلاسة ويسر؛ فقد ضحك الناس من قلوبهم في مشهد عيد ميلاده، بينما بكوا وتأثروا بشدة على مشهد لومه لابن أخته “مجدي” الفنان أحمد حلمي، وكذلك مشهد موته.
نفس الأمر تكرر في دوره خلال مسلسل “فوق السحاب”، فاستطاع إضحاك المشاهدين لأكثر من 20 حلقة من خلال شخصية “الدب” الأب مدمن المخدرات المستهتر صاحب الإفيهات والسخرية من كل مَن حوله، قبل أن يبكيهم بشدة خلال مشهد تغسيل ابنه “كاريكا” وكذلك زيارة قبره، حتى تكاد لا تصدق أن مَن أدى نفس اللونين هو نفس الشخص.
ما زلت جبانًا
نستطيع القول أن إبراهيم نصر نموذج للفنان المثقف خفيف الظل المتصالح مع نفسه الخبير بقدراته جيدًا والحريص على فنه، لدرجة أنه يعترف بأنه لو قدّم عملًا لم يُرض المشاهدين وقابله أحدهم في الشارع يلومه عليه؛ فلن يتردد في ضرب نفسه بالنار – على حد قوله – موضحًا: “ما زلت جبانًا.. خايف أرجع أعمل حاجة أقل والناس تقولي في الشارع ليه كده؟”.