روت الكاتبة الصحفية عصمت قنديل تفاصيل علاقتها وزواجها من الأديب الراحل علاء الديب، حيث أوضحت أنها رأت فيه الزوج والأب والمعلم، حسبما ذكرت في حوارها مع الزميل إيهاب مصطفى بجريدة “الدستور”.
نرشح لك – جمال جبران يكتب عن علاء الديب: صنع تمثالا خالدا للوحدة
تسلل إلى قلبى بعشق القاهرة القديمة.. وله 3 أماكن مقدسة للسفر
فى العام ١٩٧٠، كانت عصمت قنديل تتدرب فى مجلة «صباح الخير»، لم تكن انتهت من الدراسة بعد، تذكر هذا العام جيدا، عام وفاة جمال عبدالناصر، لأنها ذهبت إلى بنى سويف لإعداد تحقيق عن آراء الناس البسطاء فى الرجل الراحل.
لم يكن علاء الديب موجودا بالمجلة فى ذلك الوقت، كان فى المجر لمدة عام يدرس دبلوما، لكن بمجرد رجوعه عام ١٩٧١ تعرفت عليه كواحد من أساتذتها الكثر، «إذ كان يسدى إلىّ الكثير من النصائح الخاصة بالعمل، ويعدل لى فى التفاصيل». ومن هنا بدأت الحكاية، كما تتذكر.
تحكى: «كان علاء يعرف أنى أحب القاهرة القديمة بكل تفاصيلها، البيوت المبنية على الطراز القديم أو الشبابيك والأبواب الطويلة والزخارف والمنمنمات التى كانت تزين البيوت، كل الطرز المعمارية القديمة، وكان يأخذنى وننزل معا لنمشى بين الطرق المكسوة بالأحجار المرتبة على غرار شارع المعز».
فى ذلك الوقت كانت لدى «عصمت» رغبة وطموح فى أن تصبح صحفية كبيرة ينتظرها مستقبل عظيم تراه أمامها: «كانت صباح الخير مليئة بمن يمكنهم أن يجعلونى أتطور وأصل إلى ما أصبو إليه فى زمن قياسى، خاصة أنها كانت تضم جهابذة العمل الصحفى مثل عبدالله الطوخى وصبرى موسى وزينب صادق، وغيرهم».
من هنا بدأت علاقتها الروحية والعاطفية بـ«علاء»: «لا أعرف كيف تسلل داخلى حتى أصبحت بيننا علاقة حب، وأنا التى لم أكن أفكر فى الزواج مطلقا لأننى كنت صغيرة على هذا الأمر».
قبلت «عصمت» الارتباط والزواج لأسباب كثيرة التمستها فى «علاء» نفسه: «كان ظاهره يشبه باطنه، لا يعرف الخبث ولا المكر، وما سيقوله أمامك هو ما سيقوله من خلفك بالضبط، لا يغير حرفا واحدا، وكان رجلا دمث الخلق بقوة، وليس له ذلك الاعوجاج الذى يمكن أن تلحظه فى بعض الرجال».
ثانيًا، والأهم بالنسبة لها أنها كانت تحترمه جدًا: «كنا نقابل بعضنا فى الأفكار وكنا متفقين فيها، حتى إننى حين فكرت فى أمر الزواج بعد ذلك وجدت أن رفضى ربما كان بسبب أننى لم أقابل الجدير بمن أكون زوجة له، حتى جاء علاء».
بجانب ذلك، كانت الشابة تنظر للصحافة على أنها مهنة يجب التفرغ لها تماما: «فكرت كيف أكون زوجة وصحفية لديها واجبات تجاه عملها، لكن علاء قال لى إنه يمكننى أن أقوم بهذا الأمر بعد الزواج».
بعد زواجهما بسنة واحدة جاءتها الوظيفة الحكومية، فقررت أن تهجر الصحافة وتتفرغ للبيت: «كان قرارًا منى لم يشاركنى فيه علاء، وإن كان سعيدا لهذا الأمر، وطوال حياتنا كان يردد على مسامعى أن هذا جميل لن ينساه لى».
فى تربيته لأبنائه كان صديقا وليس والدا.. هكذا تلخص «عصمت» شخصية «علاء» الأب، تتذكر مثلا: «عادة ما كنت أهدد ابنى وابنتى بمجيئه، وبالرغم من معرفتهما بأنه لن يضربهما لكنهما كانا يخافان».
تضيف: «كان تعامله معهما أنهما كبيران حتى فى صغرهما، فمثلا حين يطلبان منه نقودا كان يفتح محفظته ويقول لهما خذا ما تحتاجان، فأستنكر عليه هذا الفعل، وأقول له أعطهما أنت، فيقول: لا هى أموالهما وهما أحق بها، والعجيب أنهما يأخذان ما يحتاجان فقط ولا يزيدان».
ابنا علاء وعصمت هما سارة وأحمد، الابنة تعمل صحفية فى وكالة «أسوشيتدبرس» فى لبنان، وسبق أن غطت حروبا دارت فى دارفور وسوريا والعراق وغيرها، أما الابن فهو مخرج سينمائى.
فى السفر، كان لعلاء الديب ثلاثة أماكن يحب الذهاب إليها، وفى توقيتات محددة، لم يكن يغير حتى مكان إقامته فى الفندق، وبحسب تعبير عصمت قنديل: «كان يمارس نفس الطقوس فى كل مرة كأنها تكرار جميل»، فمثلًا كان يذهب إلى مطروح فى شهرى نوفمبر ومايو، وهناك يصيّف بالقرب من شاطئ الغرام الهادئ فى هذه الفترة من العام بحكم عدم وجود مصطافين وقتها.
أما الإسكندرية فلها شهرا ديسمبر ومارس، وأسوان كان يذهب لها فى فبراير: «كنا ننزل فى فندق بسمة، وغالبا ما نقرر أن نقضى يومًا كاملًا فى جنينة فريال».
للأزهر منزلة مهمة فى نفس علاء الديب، كان يرى له مواقف عظيمة ودور تنويرى حقيقى، وأحب من بين رجاله أحمد أمين وأمين الخولى، أما فى السنوات الأخيرة، فاقتصر دوره على تصدير «الدواعش» من خلال النصوص القديمة والأفكار التى أكل عليها الدهر وشرب.
4 مراحل لإنجاز «عصير الكتب».. و«تدبيسة» من لويس جريس لتحفيزه على الكتابة
اُشتهر علاء الديب ببابه الأدبى الأبرز «عصير الكتب» الذى بدأه منذ الستينيات فى «صباح الخير» وظل مواظبًا عليه فى «المصرى اليوم» حتى قبل وفاته بأشهر قليلة.
تكشف «عصمت» كواليس هذا المقال الشهير الذى كان ينتظره الكثيرون فتقول: «كان ينتقى الكتاب الذى سيكتب عنه، ثم يقرؤه قراءة أولية، ثم يعيد قراءته مرة ثانية بتمعن ثم يمسك النوتة الخاصة به ويضع النقاط الأولية والإيجابيات والسلبيات التى سيكتب عنها، وبعد مراجعة الرواية بالكامل يدقق فى العناصر التى دونها ثم يبدأ فى كتابة مقاله على نفس النهج».
وللكتابة عموما كواليس عند علاء الديب، تحكى: «كانت له طريقة معينة، لا يكتب قبل أن تختمر الفكرة تماما فى عقله وتلح عليه بأن يفرغها، فيظل جالسا ممسكا بالورق والقلم، ويظل يكتب الكثير جدا من المسودات قبل الطبع».
عندما يفرغ من الكتابة تمامًا، كان «علاء» يعطى النصوص لـ«عصمت» لتقرأها، تقول: «كأى كاتب كبير لا تجد فى كتابته إلا نقطة غائبة أو فصلة أو غيره، وفى البدابة كان يأتى أحدهم ليتسلم مقاله، وبعد ذلك ومع تطور التكنولوجيا كنت أرسله بالإيميل».
فى الرواية كان اسمه مؤثرا رغم قلة إنتاجه، ويبدو أن أصدقاءه كانوا يعرفون هذا جيدًا، تروى أرملته: «لما كان يكتب رواية كان الكاتب الصحفى لويس جريس يعلم تماما أن المشروع الذى يعمل عليه علاء سيأخذ وقتا طويلا، ومن أجل أن يحفزه على الكتابة كان ينشر فى (صباح الخير) انتظروا رواية علاء الدين قريبا».
كان هذا يضع «علاء» تحت ضغط ليكمل الرواية لكى تنشر فى وقت قريب، وبالفعل كان يعمل بجهد مضاعف حتى ينتهى من الرواية وتفلح خطة لويس جريس وتنشر الرواية فى موعدها.
بشهادة عصمت قنديل، كان علاء الديب مقربًا جدًا من معظم الفنانين والكتاب الشباب، يعتبرهم مثل أبنائه، ومن هؤلاء مثلًا الفنان وليد طاهر «الذى كان يمر علينا ويأخذ النصوص ليقرأها ويرسم أغلفتها»، مشيرة إلى أن من تلامذته سيد محمود وعلاء عبدالفتاح ويوسف فاخورى وأحمد أبوخنيجر وأسامة البنا.
كما كان يحب كتابة إبراهيم داوود وحمدى عبدالرحيم وياسر عبداللطيف، وأيضا محمد رياض الذى اكتشفه وله ديوانى شعر فى السوق. وبالطبع كان له أصدقاء كثر من جيله، منهم الفنان الكبير إيهاب شاكر وأحمد حجازى وبهجت عثمان، وبدر سليمان وصبرى موسى وعبدالله الطوخى.
تتذكر «عصمت» موقفًا للكاتب حمدى عبدالرحيم، أحد تلاميذ ومحبى «علاء»: «كان متابعا لباب عصير الكتب، وينتظر ما سيكتبه علاء حتى يشترى الكتاب الذى كتب عنه، وحين جاء إلى القاهرة قال لأحدهم إنه يريد رؤيته، وجاء إلى منزلنا وأخبرنا بأنه كان يقرأ على اختيارات علاء فى المجلة».