في الثمانيات من القرن الماضي ظهرت العديد من المسلسلات، التي اقتربت جودتها من حيث الكتابة والإخراج من الأفلام السينمائية، وبدأت مسلسلات مثل “NYPD Blue”، و”LA LAW m”، و”Hill Street Blues”، تخطف أنظار ومشاعر المشاهدين، ولكن لم ينجح أحدها في إحداث الثورة مثل التي أحدثها مسلسل سوبرانوز “The Sopranos”، في نهاية القرن العشرين، ونقل الدراما التلفزيونية للقرن الحالي بصورة جديدة لم نعهدها من قبل في المسلسلات التلفزيونية.
كانت الدراما التلفزيونية في أضعف حالاتها بمسلسلات مثل دالاس وفالكون كريست وكوجاك و كولومبو… مسلسلات تافهة نسبيا لأن إدارات الشبكات التلفزيونية الثلاثة كانوا دائما يحاولون إعطاء محتوى معقم لكي يعجب المعلنين ومدعي الفضيلة من المحافظين لإبقاء المحتوى التلفزيوني بسيط والشخصيات أحادية الأبعاد… الشرير دائما شرير والخير ينتصر في النهاية، وكل القيم المتعارف عليها للمشاهدة العائلية.
إلى أن ظهرت شبكة هوم بوكس أوفيس “HBO” سنة ١٩٨٣، وبدأت في منافسة الشبكات الكبرى بإنتاج دراما خاصة بها، ولأنها كانت قنوات بالاشتراك عن طريق “الكيبل”، فاستطاعوا أن يكسروا كل الممنوعات وبدأوا في إنتاج مسلسلات جريئة مثل “Sex and the City”، و”The Larry Sanders Show”، حيث القصص واقعية والأبطال مسموح لهم باستخدام ألفاظ نابية ومسموح لهم بارتكاب أخطاء وخطايا مثل البشر الطبيعيين، فبدأ الكتاب صناع الأفلام والدراما يحجون إلى “HBO” أملا في إنتاج أعمالهم التي رفضتها القنوات التقليدية لجرأتها وخروجها عن المعايير الأخلاقية المعتادة.
وكان ديفيد تشيس أحد هؤلاء الكتاب الذين حلموا بكتابة مسلسل عن زعيم عصابة من عصابات المافيا يعيش في الوقت الراهن في ولاية نيوجيرسي وعنده عائلة وعصابة وتجارة يدافع عنها، طبعا كان وقتها من الصعب جدا أن تقنع قناة بأن بطل المسلسل والشخصية المحورية مجرم وقاتل ومهرب ومخرب، لكن عذوبة السيناريو وواقعيته أقنعت الشبكة بإنتاج بايلوت أو حلقة تجريبية، وفعلا في مواقع حقيقية في ولاية نيوجيرسي واستخدم ديفيد تشيس أسلوب فريد في الإخراج، حيث ابتعد عن الإضاءة المصممة بعناية مثل فيلم “الأب الروحي” واتجه أكثر لأسلوب مارتن سكورسيزي في فيلم “جود فيلاز” من حيث الواقعية وأماكن اتصوير وعبارات السب والشتائم والعنف المبالغ فيه والدم (غير المعتاد في التلفزيون).
وكانت المشكلة الأساسية أمام صناع العمل كيف يجعلون المتفرج يتعاطف مع بطل قتّال قتلا كما يقولون وعنيف وبلا رحمة؟ فظهرت العبقرية في بدء المسلسل في عيادة الدكتورة النفسية التي تعالج البطل طوني سوبرانو كأول مشهد وهو في قمة ضعفه و محاولته إيجاد الإنسان الذي بداخله، وأيضا خلقوا له عائلة من زوجة وأولاد كل واحد فيهم مشكلة لوحده، ولأنه بيحاول في قرارة نفسه إنه يبقى زوج وأب صالح فدائما مشاهده في المنزل عكس تماما مشاهد الإجرام خارج المنزل والقتل والذبح المتواصل التي يقوم بها، فأصبح شديد الواقعية كأي إنسان يخطئ ويصيب، ووقع الجمهور في حب طوني سوبرانو وعائلته، ونتج عن ذلك إنتاج ٦ مواسم نالت ٥ جوائز إيمي وفتحت الطريق أمام مسلسلات ثورية أخرى مثل “The Wire”، و”The Shield”، و”Lost”، و”Breaking Bad”، التي سيتم تخصيص مقالة لكل واحد منهم.
جدير بالذكر أن آخر حلقة في آخر موسم تسببت في لغط كبير وغضب من شريحة كبرى لأنها انتهت فجأه في الدقيقة ٤٠ بينما كان طوني سوبرانو يتحدث وفجأة أظلمت الشاشة و نزلت تترات النهاية، وكانت من الأخبار الهامة في الوسط الفني وقتها، وإلى الآن لم يفصح ديفيد تشيس عن هدفه أو قصده من هذه النهاية الغامضة المفاجئة.