بعدما كانت جريدة الحياة اللندنية منبرًا لكثير من الصحفيين والمحللين والقراء، الذين يبحثون عن تغطية جيدة، ومتزنة؛ تتيح وجهات نظر متنوعة لأهم الأحداث في كافة المجالات، بات موقع “الحياة” هو السبيل الاَخر بعد توقف إصدار الجريدة.
كانت الجريدة أعلنت عن صدور عددها الأخير في مايو الماضي، والتحول إلى ممارسة نشاطها الصحفي عَبر موقعها الإلكتروني فقط، على خلفية مرورها “بأزمة إقتصادية”؛ بحسب إعلانهم وقتذاك، أدى إلى التوقف عن طباعة النسخ الورقيّة في كلّ من لندن وبيروت والقاهرة.
وفقًا لموضوعِ صحفي، كتبته الصحفية ماجدة أبو فاضل، بموقع “عرب ميديا- “arabmediasociety.com”، إن موقع “الحياة اللندنية” يسير مواكبًا للتطورات، بعدما باتت الصحافة الإلكترونية ذا شأن هام في السنوات الأخيرة، بحسب ما صرح جميل مروه، نجل كامل مروه، مؤسس جريدة الحياة اللندنية عام 1946، موضحًا: “لقد هاجر القراء إلى المواقع الإلكترونية، و”الحياة” ليست استثناءً من هذا التدفق”.
هناك أقاويل ترددت عام 2017، أن الجريدة تعزم على غلق مكتبها ببيروت في يونيو 2018، والذي كان أُسس في عام 1998، في مكان متميز بالمدينة، ويضم أيضًا مجلة “لها” وهي مجلة نسائية تملكها أيضًا.
سبق الإغلاق إشعارًا لوزراة المالية اللبنانية، كنذير قبل خطط تسريح العمال والترتيبات اللاحقة للتعويضات للموظفين، وفي 22 يناير 2018، أرسل رجا راسي، مدير عاﻡ “دار الحياة”، لموظفي بيروت، موضحًا أن الإدارة قد أبلغت وزارة العمل، أن دار الحياة للنشر، تنهي تعاقدتها مع كل موظفينها في “الحياة” و”لها”؛ نظرًا للأزمة المالية.
لقد كان الأمر مؤلمًا للغاية بالنسبة لموظفي مكتب بيروت، الذين شهدوا على نمو وتطور الجريدة منذ يوم إنشاءها، ومثابرة الصحافيين العاملين بها، في ظل ظروف قاسية على مدى عقود.
وعلى الرغم من وقف صدور الجريدة، إلا أنه بإمكان القراء تصفح مواقع النسخة السعودية والدولية للجريدة، وتحميلها في إصدارات صيغة “”PDF.
وعلى صعيد اَخر، أصبح مكتب “الحياة اللندنية” في دبي، هو نقطة الارتكاز والتواصل الجديدة، يتردد عليه العاملون من مكاتب مختلفة للمناقشة والتشاور.
وكانت “الحياة” تمر بعدة أزمات من فترة، بحسب ما صرح محمد صلاح، رئيس مكتب القاهرة، في حوار أجراه مع “الأهرام” الأسبوعي لمصر، بأن عملية السحب وإعادة الهيكلة، بدأت في عام 2016، وهناك عدد من الخطوات سبقت قرار وقف الطبعات المطبوعة للجريدة، وإغلاق المكاتب في بيروت ولندن.
وفي الحوار ذاته، استطرد “صلاح” موضحًا أن أهمها كان خطة تطوير الموقع وإطلاق “صحافة حياة”، وهي خدمة تكيف وتأقلم الجريدة مع صحافة مواقع التواصل الإجتماعي أو ما يطلق عليه “صحافة المواطن”، مما يعني أنها تمكن عدد كبير من الأفراد؛ للمساهمة في صناعة المحتوى الإخباري، المقدم عبر المنصة، مشيرًا لهدفها أن تكون وكالة أنباء متفاعلة، وجزءًا من الغرفة الإخبارية، التي تدار من خارج دبي.
وهو الأمر الذي وصف من قِبل البعض بأنه أضعف من مستوى المحتوى المُقدم من خلال المنصة؛ بحسب ما أشارت الصحفية “ماجدة” في موضوعها، بعدما لاحظت في عدة أيام،
قصصًا عديدة يكتبها الهواة ويكررون ما قام به المراسلون العاملون، وأحيانًا ما يتنافسون معهم في نفس الصفحة، بحسب وصفها، وهو الأمر الذي يبعد عن المعيار الذي حافظ عليه المحررون وابن الصحفي كامل مروه، بعد وفاة “كامل” إثر حادث إغتيال عام 1966 في مكتبه بدار “الحياة” ببيروت؛ في سبيل صحافته الحرة.
واستأنف جميل مروه، نجل “كامل”، النشر بـ “الحياة” من جديد عام 1986، بعد توقف عملها في مارس عام 1976، بالشراكة مع الأمير السعودي خالد بن سلطان، متبينًا نهج عدم وجود قيود على ما يمكن أن تنشره الصحيفة وتغطيه، بخلاف المطبوعات الإقليمية الأخرى.
وكانت الترتيبات لإنشاء شركة نشر، تبلغ حصة “بن سلطان” نسبة 75٪، و”مروه” 24٪ ، وتخصيص نسبة 1٪ لـ جهاد الخازن ، وهى النسبة التي حصل عليها “الخازن”، كوسيط؛ على أساس جدوى ترتيب الصفقة بين “مروه” وإخوته: “كريم” و”مالك” و”بن سلطان”، ومن ثمً تولى “مروه” القيادة وبدأ في إنتاج الصحيفة في لندن؛ حيث جعلت الحرب الأهلية اللبنانية العمل في بيروت أمرًا صعبًا.
تولى “مروه” مسؤولية رئاسة تحرير الجريدة؛ نظرًا لأنه هو مَن خطط لهذا الكيان، وجَمع الفريق، ووضع سياسية إعادة إطلاق “الحياة”، ولكن عندما عين الأمير قائدًا مشتركًا إلى جانب الجنرال الأمريكي نورمان شوارتزكوبف، من قوات التحالف خلال حرب الخليج عام 1991، عقب غزو العراق للكويت، عَبر الأمير “خالد” عن حاجته إلى السيطرة الكاملة على الصحيفة.
لم يكن “مروه” جديرًا بالثقة؛ ليكلف برئاسة تحرير جريدة سعودية، بحسب ما صرح “مروه”، فتم تسليم مهام رئاسة التحرير لـ “الخازن” عام 1993، وهو الأمر الذي استسلم له “مروه” وإخوته، ووافقوا على تأجير الاسم التجاري لـ “الحياة”، وبلغت قيمة عقد الإيجار 300 ألف دولار سنويًا لمدة عشر سنوات، والتي يتم إلغاؤها على العرض الإجباري من قبِل الأمير “خالد” لامتلاك شركة الحياة كلها عام 1996.
وبسؤال “مروه” عن ما الذي أصاب الصحف في العالم العربي، وسبب عدم استطاعة استدامة “الحياة اللندنية”، وامتلاكها نموذج عمل قابل للتطبيق يتطوّر مع الزمن، نظرًا لسمعتها الراسخة وتغطيتها الصحفية الجيدة على مر السنين، أوضح أنه نادرًا ما تستطيع صحيفة في العالم العربي أن تجذب قارئًا، منوهًا أن هناك استثناءات بالطبع، لكنها قليلة ومتباعدة، في الزمان والمكان.
إن زوال طبعة “الحياة” المطبوعة للقراء الدوليين، وتقلص الصحيفة قد جاء في أعقاب قرارات تقليل وسائل الإعلام اللبنانية، مثل ما حدث مع جريدة “الاتحاد اللبناني”، وهي صحيفة واسعة أعيد إحياءها تحت إدارة مختلفة لمواكبة التطورات واتاحتها القدرة على التنافس، ولكنها نشرت عددها الأخير في منتصف ديسمبر 2017، بعد شهرين فقط من إطلاقها، وهو الأمر الذي سبق حدوثه مع جريدة “السفير” أيضًا، البالغة من العمر 43 عامًا، والتي ظهرت خلال الحرب الأهلية وكانت منافسًا قويًا، صُدر اَخر عدد لها في ديسمبر 2016 بالرغم من دفع أموال متكررة من رعاة متنوعين.
كلها مؤشرات غير جيدة لمصير الإعلام اللبناني، تؤدي إلى عمليات تسريح لا تعد ولا تحصى للعاملين، إلى جانب دعاوى قضائية في لبنان بتهم “الفصل التعسفي”.