نقلاً عن المصري اليوم
فى فيلم (سوق الجمعة) الكل يضع على الرصيف (فرشته)، بعض الفنانين لديهم أيضا بضاعتهم يفتحون شنطة الشغل، أمام الزبائن و(اللى ما يشترى يتفرج). للوهلة الأولى من الممكن أن تضع عمرو عبدالجليل بين هؤلاء رغم أنه يمتلك إمكانيات أكبر، لو أخلص لموهبة الممثل بداخله لاستطاع القفز بعيدا عن تلك الدائرة الخانقة، على شرط أن يمتلك أولا الإرادة، وثانيا مخرجا يستطيع أن يعيد تشكيل المادة الخام بداخله لإعادة تنقيتها.
أين يقف (عمرو عبد الجليل)؟، إنه المرتجل الأول فى السينما المصرية، لا يوجد فنان كوميدى خلال الربع قرن الأخير استطاع أن يتجاوزه فى سرعة البديهة، واقتناص الضحكة من لا شىء، لا يعنيه سيناريو و(لا دياولوا)، أى عمل فنى أو شخصية مهما كان لها من محددات يأخذها بعيدا عن سياقها ويدفع بها إلى ملعبه الخاص لتتكلم وتتحرك وتنفعل كما يريد عمرو، فهو يمارس مع كل الشخصيات التى يؤديها جريمة الاغتصاب الدرامى.
وهكذا مثلا كنموذج صارخ مسلسل (الزوجة الثانية) العمدة (عتمان)، وهى شخصية عرفها حتى من لم يقرأ راوية أحمد رشدى صالح، كما حددها صلاح منصور فى الفيلم الذى أخرجه فى منتصف الستينيات صلاح أبوسيف، عمرو منحها مذاقه الصارخ، قد يبدو فى جانب ما إيجابيا، إلا أنه لا يصب أبدا فى صالح فن التمثيل، وهكذا صار عمرو يقدم شخصية واحدة أمام الكاميرا مع هامش محدود جدا من التغيير، رغم أن البداية الاحترافية لم تكن أبدا توحى بذلك، فلقد كان قبل نحو 30 عاما رهان يوسف شاهين كبطل فى (إسكندرية كمان وكمان)، ثم (المهاجر)، ورغم ذلك فإن من نجح فى اكتشاف عبدالجليل ودفع به فى مرحلة متوسطة بين الارتجال والالتزام فيلم (هى فوضى) شارك فى إخراجه مع يوسف شاهين وخالد يوسف، وهو ما أكمله خالد فى مرحلة موازية فى فيلمى (حين ميسرة) و(دكان شحاتة)، ثم منحه البطولة فى (كلمنى شكرا).
انتقل عمرو للمخرج سامح عبدالعزيز (صرخة نملة) 2011، فهو من أكثر المخرجين إيمانا بموهبته ومنحه حرية مطلقة فى (سوق الجمعة) وتلك هى قطعا المشكلة. لو كنا بصدد عرض (استاند آب كوميدى)، الذى يعتمد على الممثل الواحد، لكان عبدالجليل هو النجم الأول بلا منازع، فهو يلتقط أى شىء، وهكذا تجد مشهدا مقحما بين أربعة من الأصدقاء فى كل مرة يطرد واحدا بعد أن يوجه له سيلا من الشتائم، ولا يتبقى فى النهاية سوى عمرو ويناله فى النهاية من السباب الجانب الأكبر، وكأنك بصدد (إسكتش) خارج عن سياق الفيلم، عمرو له دائرة جماهيرية محدودة، إلا أنه ليس نجم شباك، تلك الدائرة المحدودة لا تمكنه سوى من تحقيق نجاح متوسط، لا يغلق الباب تماما أمام حلمه كبطل، فقط يظل (مواربا)، وتلك هى المشكلة.
رسم الشخصيات فى (سوق الجمعة)، أو (سوء الجمعة) لو أردت وصف الحال بدقة، يعوزه المنطق، مثلا بائعة ساندويتشات الكبدة (المضروبة) التى أدت دورها ريهام عبدالغفور، وهى تعيش مع أحمد فتحى وكل أملها أن يرضى عنها ويتزوجها، ولا يوجد سبب لكل تلك (الشحتفة)، خاصة أن فتحى كثيرا ما يستخدمها للنصب والاحتيال، وتتساءل ألا يكفى هذا لحصولهم على أموال ضخمة؟!، هناك أيضا خط درامى مقحم لعبدالجليل ودلال عبدالعزيز، التى تؤدى دور أمه، ولدينا بقايا لشخصية (حاتم)، أمين الشرطة، التى أداها خالد صالح فى (هى فوضى) يرتديها هذه المرة محمد لطفى، بينما صبرى فواز يؤدى بجدية شخصية العميل الذى يسعى لتفجير (سوق الجمعة) لتنفيذ عملية إرهابية لحساب دولة تمول الإرهاب لم يحددها مباشرة وألقى بالكرة فى ملعب المشاهدين.
التفجير هو الذروة، وهو كما ترى يغلف الأحداث ويمنحها بُعدا تحذيريا، إلا أنه يخصم من الفيلم المصداقية والمنطق، حتى المشهد قبل الأخير الذى يتم فيه (التطهير) بالمعنى الأرسطى الدرامى التقليدى، حيث تنهمر دموع الشفقة والمغفرة فى المشهد الأخير، لينتقل هذا الإحساس للجمهور، بعد أن تجمعت أحاسيسهم كلها لمواجهة الجاسوس صبرى فواز، أراها لا تحمل أى قيمة، فما هو المعنى أن نشاهد كل هذا الانحراف لتتوحد القلوب فقط فى مواجهة الإرهاب؟!. تختلط الأمور بين الوطنى والسياسى والدرامى، ولا يقنعنى السيناريو فى أى جانب منها، (سوق الجمعة) رهان سينمائى خاسر على عمرو عبدالجليل، الذى تم ضبطه متلبسا باغتصاب كل الشخصيات الدرامية التى يؤديها أمام الكاميرا!!.