بعد 17 عامًا من رحيل السندريلا سعاد حسني، لا تزال جوانب عديدة متعلقة بحياتها ووفاتها غامضة، فأغلب ما تم كشفه عنها كان من روايات الأخرين، وبكل الأحوال لا يمكن الجزم بصدق أو كذب تلك القصص، لأن المُدّعي هو الشاهد، فأين الدليل؟ّ!.. لذا سيظل الجزء الأكبر من حياة سعاد حسني غير معلوم يقينًا، ما دامت لم تصرح به، ولم يعد بإمكانها الرد على كل تلك الروايات التي قيلت ولا تزال تُقال عنها.
أما ما يمكن تصديقه حول السندريلا فهو ما تركته من مقتنيات قبل رحيلها، سواء رسائل بخط يدها أو محتويات شقتها، على الأقل دلائل مادية ملموسة تمنحنا فاصلًا هادئًا عن صخب الروايات التي تدور حول حياتها وكواليس وفاتها.
سر دهليز الهروب
كانت سعاد حسني تقطن في حي الزمالك، وتحديدًا في شقة في الدور الرابع في العقار رقم 17 بشارع يحيى إبراهيم. وكونها تعيش في حي راقٍ مثل الزمالك، فلا يتعلق الأمر بكونها ثرية من عدمه، بل كان إيجار الشقة 20 جنيهًا فقط في الشهر، وهو ما لم يدم طويلًا بعد وفاتها، فقد دارت نزاعات قضائية عقب الوفاة، ترتب عليها عودة الشقة في النهاية إلى مالك العقار، نظرًا لهجر ماهر عواد زوج سعاد حسني لمنزل الزوجية عقب رحيلها، وهو ما استغله المالك وحصل على الشقة وأجّرها بالدولار بعد ذلك.
بعد رحيل السندريلا في يونيو 2001، انتقلت عدسات الصحف برفقة “جانجاه” الشقيقة الصغرى لسعاد حسني، لمنزل الأخيرة، بحثًا عن كل ما يتعلق بذكرياتها، وطريقة حياتها، وكواليس مرضها، فكشفت شقة الزمالك عن اهتمامات سعاد حسني، من خلال ما تم عرضه من محتوياتها وأشيائها الخاصة.
بحسب الصور التي تم نشرها فإن الشقة عادية وبسيطة بالنسبة للأثاث والديكور، بها بابين رئيسيين؛ الأول يؤدي إلى الاستقبال، والثاني إلى غرفة نومها مباشرة، وهذا الباب تحديدًا يؤدي عبر 4 درجات إلى “دهليز” يوصل إلى سلم العمارة مباشرة، ووفقًا لروايات أصدقائها فكانت تستخدمه للهروب من استقبال بعض الأشخاص الذين لا تود مقابلتهم، بحيث لا يعرف الضيوف في الشقة أنها خرجت.
الصناديق المغلقة في غرفة النوم
غرفة نوم سعاد حسني وُجد بها بعض الصناديق المغلقة عقب وفاتها، فتحتها “جانجاه” واستعرضت محتوياتها في إحدى المجلات، فكانت الصور المنشورة عن صندوق به بعض الكتب التي كانت تقرؤها سعاد، بعضها مكتوب بداخله إهداء وكلمات رقيقة من المؤلف لسعاد حسني.
الصندوق الثاني كان المجلات التي كتبت عنها، والتي حملت بعض أغلفتها صورها. وهو ما يدل على تأثرها بما كان يُنشر عنها في الصحف. أما الصندوق الثالث فكانت به سيناريوهات كثيرة، بعضها قامت بتمثيلها، والأخرى لم تقدمها من قبل. فربما كانت مشاريع مؤجلة في بعض الأوقات، لكن الأكيد أنه لم يُكتب لها التنفيذ أبدًا.
أحد السيناريوهات كان من تأليف صلاح جاهين. فيلم روائي طويل مكتوب بخط يده اسمه “تحت تهديد السلاح”. كان يوجد نسختان من السيناريو؛ النسخة الأولى كتبت سعاد عليها بخط يدها “موافقة على القيام بفيلم تحت تهديد السلاح ولكن بعد معالجة مبدئية”، والنسخة الثانية أرسلها لها جاهين ونفَّذ لها ما طلبت، وكتب عليها: “بعد المعالجة المبدئية”. لكن “جانجاه” قالت إن شقيقتها لم تقم ببطولة هذا الفيلم، لأن صلاح جاهين مات بعد كتابته، فتحول من مشروعٍ إلى ذكرى.. أما باقي السيناريوهات فكان اثنان منها لرأفت الميهي؛ أحدهما باسم “ملوخية بالأرانب”، والآخر باسم “دماء غجرية”.
الصندوق الرابع كان يضم بعضًا من اسطوانات البيكاب لأغنياتها، كتبت عليها “سعاد” بخط يدها أسامي الأغنيات التي تحتويها، فمنها “الدنيا ربيع” و”بمبي”، و”الشيكولاته” وغيرهم.
استغلال شقة جاردن سيتي!
بالبحث في أرشيف المجلات الفنية قديمًا عن سعاد حسني، وجدنا في أرشيف مجلة “الشبكة”، رسالة من أحد المعجبين بالسندريلا، نشرت بعنوان “إلى سعاد حسني”، انتقد فيها القارئ تصرف أحد ملاك العقارات مع “سعاد”، بأن رفض بيع إحدى الشقق لها، فكانت الرسالة كالتالي:
“عزيزتي سعاد…
الزميلة الجديدة، الخفيفة الظل، الرقيقة الخصر، ميمي مسعد، كتبت في بابها الطريف (ميمي وراء الأخبار)، أنك ذهبت إلى جاردن سيتي في القاهرة لتشتري شقة ثمنها 1500 جنيه، يملكها رجل سوري. ولما عرف الرجل أنك سعاد حسني رفع السعر إلى 2500 جنيه.
هذا هو الخبر باختصار
والتفسير الوحيد لهذا الرفع، رفع الثمن، هو أحد أمرين؛ إما أن الرجل يرفض أن يبيع شقته لسعاد حسني، لذلك عمل بالمثل القائل: الذي لا يريد أن يزوج ابنتها يغلي مهرها، وإما أنه يريد أنه يبيع، ولكنه ينتهزها فرصة ليفاوضك، ويأخذ ويعطي معك، لأنه معجب إلى أبعد حدود الإعجاب.
إذن على هذا الأساس تصرفي…
وعلى أساسٍ ثانٍ، أحب أن أقول لكٍ أنني لو كنت أنا صاحب هذه الشقة لقدمتها لكٍ ببلاش.. إذ يكفيني بسعادة أن أشعر في قرارة نفسي بأن سعاد حسني تعيش في بيتي…”.
رسائل خاصة بخط اليد
بعد رحيل سعاد حسني، كشف أغلب المقربين منها تفاصيل علاقتها بهم، لا سيما رسائلها المكتوبة بخط يدها إليهم، كما نُشرت بعض الخواطر الخاصة بها والتي ورد ضمنها أدعية وآيات من القرآن الكريم، لا يعرف أحد كواليس كتابتها.
تقول شقيقتها “جانجاه”: كانت سعاد تحب الحياة جدًا وتكره الموت، لأنه يفرق بين الناس الذين تحبهم.. لم تكن تحب كلمة “ميتة”. كانت تعتقد أن الذي يموت يكون نائمًا وسوف يستيقظ بعد وقتٍ طويل. مثلما حدث وقت وفاة شقيقنا “جلاء”، ولم تصدق أنه مات. كانت علاقتها بربها قوية ولم تتحرك إلا وفي حقيبة يدها مصحف صغير. كما كانت بارة بأمها وحريصة على ودها على عكس ما أشاعوه عنها. لذلك لا عجب في أن نجد هذه الأدعية بخط يدها، فهي لم تكن تكتبها من باب الاكتئاب بل من باب مناجاة ربها.
في كتاب “سعاد.. أسرار الجريمة الخفية”، نشرت جانجاه بعض هذه الرسائل، كانت سعاد تناجي فيها الله وتدعوه وترجوه أن يمنحها الثقة بالنفس والعزيمة، وأن يُنهي الأزمات الحرجة التي تمر بها.
“يارب أنت عارف عاوزني ابقى ازاي، في مهنة التمثيل أو زوجة، ساعدني يارب فيما تختار لي، فأنت تعلم أني في حاجة للمساعدة، من بكرة بإذن الله احتاجك بشدة واترجاك ياربي أن ترسل الملائكة غداً في الصباح 5-1-1994 حتى استمر من بعد هذا التاريخ المبارك أن تباركلي فيه وتظل الملائكة معي إلى ما لا نهاية لكي أفتخر بنفسي وأكون كما شئت أنت، وما رسمته لي يتضح أمامي حتى أسير عليه وأنا عارفة ما هو دوري في الحياة، أريد أن أرى بوضوح وأن يكون هناك يقين ومعرفة كاملة لما سوف أسير عليه، وأن يكون إيماني بما أفعله قوي وحاسم وقاطع وألا تزعزعه الخواطر والأفعال الأخرى، وأن تكون أفكاري ثابتة، وشكراً”.
“يارب، الهمني الفعل الإيجابي، والإنجاز البصير، الرؤية الحسنة، والتوفيق والإيجاب، والقبول لدى ما توجد عنده مصالحي، يارب الهمني نبل الفعل، لا تأجيل أكثر، يارب الهمني الثقة بالنفس والعزيمة الإيجابية والمرح المحبب إلى النفس وأجعل في وشي القبول والانتهاء من هذه المرحلة الحرجة، المقلقة الطويلة، كي أنهي مرحلة التحضير وانتقل إلى مرحلة التنفيذ، اجعل أيامي مبصرة وصائبة وخيره ومتفائلة ومرحة ومقدامة وواثقة وثابتة.. شكر لك يارب”.