تعتبر الدراما التلفزيونية واحدة من أكثر أنواع المحتوى التلفزيوني مشاهدة، وتحديدًا لدى سيدات البيوت وكبار السن (نوعا ما). وغالبًا يتعلق المشاهدون بشخصيات المسلسل وتصبح جزءًا مهمًا من حياتهم اليومية، مما يؤدي إلى تهافت المعلنين لوضع إعلاناتهم قبل وبعد وخلال المسلسل، وتدور العجلة بإنتاج جديد وهكذا…
ولكن دائما هناك سؤال يؤرق العاملين في هذه الصناعة وهو لماذا لا تخرج مسلسلاتنا إلى ما أبعد من حدود الوطن العربي؟ لماذا لا نستطيع أن نحذوا حذو بلاد مثل تركيا والهند والبرازيل وأسبانيا والدنمارك والسويد وفنلندا؟. بلاد استطاعت صناعة مسلسلات تتعدى حدود اللغة والمكان وتعرض على جميع تلفزيونات ومنصات العالم الرقمية، ويتقبلها المشاهد بشغف وإعجاب.
الرد على هذا السؤال موجود ومعروف وينقسم إلى ثلاث عوامل؛ ضعف القصص والحبكات الدرامية، الكسل، وأسلوب الإنتاج نفسه، فما زلنا متأخرين بخطوة عندما يتعلق الأمر بـ”الورق”، فنحن ما زلنا نكتب كما تعلمنا زمان، من الرموز والعمالقة. هذا بخلاف وجود كم من المحاذير الأخلاقية والرقابية والدينية والسياسية على كاتب السيناريو، وكأنه يكتب ويده في الكلبشات، أما الكسل فهو آفة هذا المجال، يعني ببساطة عدم المحاولة الجدية للتواجد في المعارض الدولية، وبذل مجهود مع الموزعين، بمنطق “يعني حايجيب لي كام المسلسل؟ ١٠ الاف دولار؟ ده أنا حاصرفهم على التذكرة والفندق!!”، دون النظر لما هو أبعد من ذلك من فتح أسواق ومعاقل جديدة.
نصل إلى أهم جزء في رأيي وهو طريقة الإنتاج، وهي عكس تماما طرق الإنتاج المتعارف عليها دوليا في الدول السينمائية المتقدمة. والسبب أن السوق تم برمجته على هذا النموذج، ولا يجد أحد في نفسه إنه يغير السيستم “ماهو شغال واتعودنا عليه.. إنت حاتقرفنا ليه؟” (في سرهم طبعا)، ولبيان ذلك لنرى كيف يعمل الغرب وكيف نعمل نحن؟
في الغرب: يبدأ المشروع بفكرة، يوافق عليها أكثر من شخص مسؤول في أحد الاستوديوهات الضخمة، ثم يبدأ الكاتب في كتابة المسودات واحدة تلو الأخرى، حتى يقنع “الجماعة اللي فوق ومعاهم فلوس” بأن يعطوه الضوء الأخضر، ولما يعطوه، أصبح الكاتب هو الكل في الكل. يختار المخرج اللي فاهم كتابته وحايقدر يترجم أفكاره إلى الشاشة، ويشتغلوا على السيناريو سوا، ثم يبدأون في اختيار الممثلين. وفي أمريكا مثلا فيه صحافة مظبوطة فبتظهر أخبار المشروع ويبدأ الممثلين ووكلائهم في الاتصال بالكاتب أو المخرج بيترجوه إنهم ييجوا يعملوا تيست كاميرا للدور.. آي والله زي باقول لحضراتكم كدة بالظبط، والكاتب اللي أصبح الكل في الكل يشرف على الإنتاج ويحاسب شركة تنفيذ الإنتاج إذا أخطأوا، يعني سلطان زمانه.. مين؟ الكاتب!! وعادة كل حلقة بيعاد كتابتها بمتوسط ٢٠ مرة وبتكون جاهزة وممنوع تغيير حرف فيها قبل التصوير بمدة كافية تسمح للإنتاج بالتحضير الجيد تحت إشراف مين؟ الكاتب!!
أما حدانا في الكفر: فالموضوع بيختلف شوية، فيبدأ المشروع من لقاء يجمع ما بين المنتج والنجمة الجبارة (أو النجم الجبار)، ويتفقوا على أنهم مع بعض السنة دي إن شاء لله، والنجمة تقول الرقم اللي هي عايزاه، وبعد محاولة فاشلة من المنتج للفصال يتفقوا على الرقم ويخرج المنتج شيك من جيبه فيه عربون محترم. لكن فين المسلسل في اللحظة دي؟ المسلسل اللي عندنا هو النجمة!!، ويبدأ المنتج بالبحث عن سيناريو يرضي تطلعات الفنانة، وبعد عناء يعجبها موضوع، بس طبعا لازم يتظبط شوية، فيبعتوا يجيبوا الكاتب ويحسسوه إن حظه من السما لأن النجمة اختارت الموضوع بتاعه، وتبدأ هي في إملاء وجهة نظرها الفنية والكاتب الغلبان قرر أن الزبون دائما على حق من قبل ما يروح أصلا، وجاله ومضات في راسه مكتوب عليهم “قسط المدرسة”، “الشقة”، “العيد والمصيف” فياخد ملاحظات النجمة ويبدأ في الكتابة، أما المخرج فأمره سهل لأن النجمة ارتاحت قوي مع فلان، فاييجي فلان ويخرج كمان.
والكاتب مش مسموح له يفضل يحسن في السيناريو كتير، إحنا اتأخرنا يا أستاذ.. شد حيلك شوية، ويرضي المخرج بالنص اللي لسة ماستواش وأمره لله. ويصبح الموضوع على النصف الثاني من رمضان عبارة عن مشاهد تكتب ليلا لتصل الى المخرج والممثلين صباحا ليبدأوا في كتابة حلقة بكرة، وهكذا… وفي الآخر المسلسل حلو المسلسل وحش الجميع سيدعي إن المسلسل بتاعه رقم واحد في مشاهدات اليوتيوب في تاريخ البشرية وتتوه الحقيقة بين القبائل مثل أشياء كثيرة أخرى تائهة.
عرفتم لماذا لم تخرج مسلسلاتنا إلى العالمية حتى الآن ؟
نرشح لك: عمرو قورة يكتب: صراع “النمبر وان” في السينما المصرية