قديماً قالوا “خيرالكلام ما قل ودل” وقالوا ايضاً “إن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب” ويرى البعض أن الله خلق لنا أذنين اثنتين وفم واحد لنسمع أكثر مما نتكلم وله في ذلك حكمة لا يدركها إلا أولي الألباب، إلى هنا لا أعتقد أن هناك من يختلف على هذا وعليه فلنكمل، فنحن نكثر من الكلام في كل الأوقات وبلا هدف أحياناً كثيرة، تأمل معي ما حولك من كمية أصوات بشرية تتناهى إلى مسامعك عبر الوقت – نسبة كبيرة منها لا داعي لها بل تتسبب في حدوث خلافات ما كانت تحدث إن لم تسمعها- فأنت تسمع ما حولك من أحاديث أو تعليقات أو حوارات وتتفاعل معها حتى وإن لم تكن جزءاً منها والتفاعل يؤدي بك إلى أنك تختلف وترتفع نبرة صوتك وتتوتر اعصابك ومن ثم قد يبدأ الحوار في السخونة ويبدأ استخدام تعبيرات الجسد الأكثر تمثيلاً للانفعالات وتتزايد سخونة الأجواء ويبدأ الضرب !
قال الأديب عبد الرحمن الشرقاوي “الكلمة نور .. وبعض الكلمات قبور” وبنفس المنطق الذي يجعل من بعض الكلمات قبور، ستجد الكثير ممن تخصصوا في ملء حياتنا بالقبور وليس النور، يندرج في هذا الخطأ العديد من المسؤلين فيقعوا في محظور الكلام الكثير المؤدي للكثير من الجدل حول ما صرحوا به من تصريحات مثل – الفوسفات مفيد وهناك دول تضيفه لمياه الشرب- أو – أنا عندي مشكلة مع التخان – أو – الداخلية ما عندهاش قنّاصة – أو – ما عندناش خرطوش – أو أو أو هناك العديد من الأمثلة التي أدت إلى وضع أصحابها في مواضع انتقاد أو سخرية، وقد يتطور الوضع إلى الانتقال بصاحب التصريح من خانة التفضيل إلى خانة الاستعداء أو الكراهية وقد حدث ذلك عندما اغرق اصحاب تلك التصريحات في (غِيهم) وركبوا أدمغتهم وأصروا على ما انتقده الرأي العام كما حدث مع محافظ الاسكندرية الجديد عندما قاوم انتقاد الصحافة لحضور زوجته بعض الاجتماعات الرسمية بأن انبرى للدفاع عن تمكين المرأة وهو أمر لا علاقة له بما حدث فخسر من رصيد شعبية تكونت بشكل لحظي عند تعيينه الكثير. من الأمثلة الأشهر لسوء التعامل مع التصريحات كان تعامل شيخ الأزهر السابق الشيخ سيد طنطاوي والذي لم يكن يجيد التعامل مع الإعلام بكافة صوره بل وصل الأمر إلى سبه لصحفية لأنها توجهت له بسؤال بدون استئذان وذلك لشدة غضبه من تناول الإعلام وتصيده لتصريحاته التي أحدثت بعض البلبلة في حينه.
حاولت الحكومات تدارك أخطاء منتسبيها في تصريحاتهم الإعلامية بوضع متحدث رسمي لكل جهة بقدر الإمكان، لكن ما زالت النتائج مخيبة للآمال، فلا المسؤول يرضى أن يمر كل تصريح من خلال المتحدث الرسمي أو الممثل الإعلامي ولا المتحدث الرسمي لديه رد على كافة التساؤلات التي قد تطرح عليه، فالمسؤول يستهويه بريق الشهرة في الإعلام (يا محمد قولهم في البيت يفتحوا التليفزيون… مرسي العياط قبل مؤتمر صحفي مذاع على التليفزيون) فلا يترك المتحدث يؤدي عمله بشكل محترف، ولا يمكنه في نفس الوقت التعامل الذكي مع كل وسائل الإعلام، فيقع في المحظور وينجرف مع التيار وقد يفقد موقعه من جراء تصريح عنتري ونصيحة لكل مسؤول فخيم اتبع الحكمة الشعبية التي تقول “اتكلم كتير.. تغلط كتير.. تعيط أكتر، واتكلم قليل.. تعيط قليل وتفرح أكثر”.