ليست هناك سعادة تضاهى تناول الإفطار وسط الأهل فى أول أيام عيد الأضحى المبارك، سعادة ذات طابع خاص حتى وإن كنت معهم باقى أيام العام؛ فللأعياد مذاق خاص فما بالك بسعادة لقاء الأهل والأبناء مع تكبيرات صلاة العيد بعد غياب!
لم يكن الغياب في الحسبان لكنهم وجدوا أنفسهم داخل أسوار السجون ليس لشيئا سوى لعدم قدرتهم على سداد شيك أو وصل أمانة، غارمون وغارمات انتزعوا من أحضان أبنائهم وذويهم لأنهم أردوا يوما تأمينهم أو شراء أغراض لهم، تعثر بهم الطريق فحملوا ذلك اللقب.
التقيت بعشرات منهم أثناء إعداد تقرير عن الإفراج عن دفعة جديدة تنفيذا للمبادرة الرئاسية “سجون بلا غارمين أو غارمات”. فرحة تصيب القلب من أول وهلة، فرحة بعد ألم وفراق وبعد ليالي ثقيلة خلف القضبان.
نرشح لك: الإفراج عن 627 سجينًا من الغارمين والغارمات
عبد الله وأمانى زوجان من الغارمين قضوا في السجن أشهرا تاركين 3 أبناء خارج أسوار السجون، فرحة لقاء أبنائهما والتئام شمل الأسرة أدمعت أعين الحضور حقا، ماذا اقترفت تلك الأسرة كي يشتت شملها وما أعظم إنسانية من أخذ على عاتقه مباردة للإفراج عنهم وعن غيرهم من الغارمين.
محمد شاب في مقتبل العمر، طالب بكلية الصيدلة، أحد الغارمين المفرج عنهم الذيقضى بالسجن شهرين بسبب توقيعه ايصالات أمانة كضامن لوالده لدى تاجر سيارات نقل، لكن والده تعثر في سداد الأقساط لمرضه الشديد، فكان الحبس مصيره وكابوسا انقض على حلمه ومستقبله، عودة محمد إلى أسرته بعد سداد الديون هى بحق إنصاف لإنسانيته ولحلم شاب رأى في عين والده الحسرة وكل ذنبه أنه لم يتخلى عن والده، شاب سطرت له تلك المبادرة حياة جديدة.
تعددت المشاهد وتكرر عناق الأطفال بذويهم، التوقيع على شيك أو وصل أمانة أو قائمة أثاث خطوة اعتادتها كثير من الأسر المصرية دون النظر إلى تبعاتها، خاصة مع عدم وجود مورد دخل منتظم. خطوة قد يدفع ثمنها أحد أفراد الاسرة شهورا وأعواما من عمره، فقصص هؤلاء الغارمين يجب أن تنتشر وتكون عبره وعظة لكل رب أسرة قبل الإقدام على مثل هذه الخطوة.
سجون بلا غارمين أو غارمات هي مبادرة حقيقة لفك كرب أسر ضاق بها الحال فانتهى بأحد أفرادها داخل السجون وهو نظيف اليد والسيرة والنوايا، أسر فككتها الديون وجمعتها مبادرة نقية النوايا، مبادرة تحتاج لتكاتف أكبر من المجتمع لإنهاء قوائم الغارمين والغارمات بالسجون وإيجاد صيغة قانونية أكثر إنسانية للتعامل مع تلك الحالات دون أن يكون الحبس هو الحل الأوحد، كإنشاء مصانع للغارمين والغارمات يعملون بها إجباريا مقابل تسديد ديونهم دون اللجوء للحبس تحت رقابة القانون والدولة.
للعائدين من السجون قصص وحكايات وحياة جديدة عليها شعار تهذيب وإصلاح، ولآخرين تصحيحا للمسار، لكنها للغارمين والغارمات عودة للروح..