محمد حليم بركات
أعلم أن ما أكتبه هنا يسير في الاتجاه المعاكس لتيار كبير ومؤثر من جماهير الكرة المصرية، لكنه في النهاية محاولة لرصد الصورة من زاوية أخرى لعلنا نصل في النهاية لمساحة اتفاق مشتركة.
قبل الحديث عن المزايا المتعددة لدخول تركي آل الشيخ للاستثمار الرياضي في مصر، يجب ربط تواريخ مهمة بالأحداث الأهم التي أصبحت المحطات الكبيرة في ذلك الانتقال الكبير، الذي سيحدث في الكرة المصرية خلال العشر سنوات المقبلة.
٣١ ديسمبر ٢٠١٧.. دخول مفاجئ
جاءت شخصية مرموقة من المملكة العربية السعودية لتتبوأ منصب الرئيس الشرفي للنادي الأكبر في مصر، بمباركة وبرعاية الكابتن محمود الخطيب أسطورة كرة القدم للجماهير الحمراء ومجلس إدارته، وهذا لقب لم يسعَ إليه الرجل الذي تبوأ مناصب عدة في المملكة، بل سعى لمنحه إياه ”بيبو” تعبيراً منه عن فضله فيما قدمه للأهلي في بضع أيام.. ٢٦٠ مليون جنيه أموال سائلة تستطيع نقل أي كيان رياضي في الشرق الأوسط إلى منطقة أخرى.. يا له من رجل عظيم يقدم للأهلي أكثر مما يحلم به مجلس إدارته.
الجماهير الحمراء ولاعبو النادي السابقين وكل من ينتمي لهذا الكيان الشعبي، لم يدخر كلمة شكر في حق الرجل القادم لإحداث نقلة نوعية في تاريخ النادي الأكثر تتويجاً بالبطولات.
إنه المستشار تركي آل الشيخ مستشار الديوان الملكي السعودي؛ من بين ألقاب أخرى كثيرة.
إلى هنا وعلاقة الجماهير الحمراء ومجلس إدارتها ورموزها كعلاقة الأبناء بالأخ الأكبر الذي يرعانا وندين له بأكثر من فضل؛ فضل اليد العليا على المنافسين وفضل الحماية السياسية لنادي اهتزت قوته بعد ما حدث في ٢٠١١، وتغيرت خلالها خارطة القوة للمؤسسات المصرية.. فضلاً عن القوة الاقتصادية التي كان يبحث عنها الأهلي بعد سنوات عجاف لنادٍ لديه ديون متراكمة.
على الجانب الآخر، تسكن القوة الأخرى رياضياً في مصر خانة الغيرة؛ نعم الغيرة الشديدة، فهناك رجل يدعم المنافس مالياً بشكل غير مسبوق في تاريخ الكرة المصرية والعربية.. حتى جاءت أم الكوارث في خسارة عبد الله السعيد الذي استطاع تركي آل الشيخ أن ينتصر للأهلي ويستعيده لملعب التيتش قبل ساعات من دخوله ملعب حلمي زامورا.
٢٤ مايو ٢٠١٨.. زلزال في النادي الأهلي
استيقظ المصريون على هزة رجت مصر من أقصاها إلى أقصاها.. تركي آل الشيخ يصدر بياناً كالزلزال أحدث بعرش محمود الخطيب ومجلس إدارته تصدعات كبيرة كادت تسقط العرش فعلياً بعد أن أسقطته نفسياً في قلوب وعقول المصريين، فنَّد فيه ما حدث خلال ثمانية أشهر منذ دعم محمود الخطيب في الانتخابات حتى انتهاء العلاقة بينهما.. بيان ليس كأي بيان وأحداث لم تخطر ببال أشد المحبين أو الكارهين لمحمود الخطيب، حتى إن أنصار الغريم التقليدي للأهلي احتاجوا لبعض الوقت ليستوعبوا ما ورد بالبيان!
لكن سرعان ما صدَّق الجميع على ما قاله تركي آل الشيخ، بعد أن اكتفى مجلس إدارة الأهلي بالصمت تجاه ما ورد في حقهم بالبيان.
28 يونيو ٢٠١٨.. إنشاء أكبر كيان رياضي في مصر
أدخل المستشار تركي آل الشيخ الوطن العربي في مرحلة جديدة عليه، لكنها موجودة في أوروبا، حيث يمتلك مستثمرون عرب كثر أندية أوروبية كبيرة بعد شرائها، وهو ما حدث مع نادي الأسيوطي الذي تحول من نادٍ ينافس على البقاء في الدوري إلى النادي المرشح للفوز به مع الكبيرين الزمالك والأهلي، بعد أن استطاع أن يفوز بـ ٨٠٪ من لاعبي الدوري المتميزين، فضلاً عن الرباعي البرازيلي الأكثر تميزاً.. وها هو يسير بخطى ثابته ومتربعاً على قمة الدوري والشكل الفني في تحسن مباراة تلو الأخرى.. وهذا لا يعني أن نسبته تتخطى الـ٥٠٪ للفوز بالدوري خاصة في ظل الاستقرار الفني للزمالك والأهلي، لكنه من المؤكد بنسبة ١٠٠٪ أنه سيحصد مقعدًا في بطولة إفريقيا وهذا على ما أعتقد هو الهدف المرجو في السنة الأولى للمولود الجديد، وهذا يعد إنجازًا ما بعده إنجاز، فبهذا سيعطي الصبغة الرسمية للنادي بأنه ممثل مصر في المحافل الدولية، ومن هنا سيحصل على التعاطف الشعبي المأمول في سنته الأولى.
ليس مجرد نادي كرة.. فكل الأخبار الواردة تشير إلى أن هذا النادي الرياضي الجديد، سيتحول إلى كيان رياضي متكامل، وهو ما بدا واضحاً وجلياً في الخطوات السريعة التي ينجزها القائمون على هذه المنظومة التي ولدت كبيرة منذ اليوم الأول.
١٧ يوليو ٢٠١٨.. ضجة في الإعلام الرياضي
أعلن المستشار تركي آل الشيخ عن تدشين قناة رياضية تحمل اسم النادي، لكنها لن تكون كتلك القنوات التي تحمل أسماء أندية، بل إنها أيضاً لن تكون كأي قناة رياضية في مصر والشرق الأوسط، فهو بصدد إنشاء أهم قناة في الألفية الجديدة.
بالفعل استطاع المستشار تركي آل الشيخ أن يفوز بكل الصف الأول من المذيعين والمحللين والنقاد في مصر، على رأسهم مدحت شلبي وأحمد حسام ميدو وأحمد عفيفي وإبراهيم فايق والتوأم حسام وإبراهيم حسن وخالد بيومي وشادي عيسى وبلال علام وفهد الكعبي وغيرهم من نجوم الإعلام والتحليل الرياضي.
يضاف إلى ما سبق، كل هؤلاء النجوم العالميين الذي جاءوا إلى مصر لتحليل مباريات في الدوري المصري، وهذا أمر لم يكن في مخيلة أي مصري أن يحدث قبل بيراميدز.
ومن الواضح أن بيراميدز تتجه لما هو أبعد من ذلك، وستنافس على الحصول على حقوق بعض الدوريات العالمية، وهذا أمر لو تعلمون عظيم؛ فقناة مصرية ستكون وجهة الجمهور العربي المتابع للدوريات العالمية.
تركي ال الشيخ قدم لمصر ما لم يقدمه كبار المستثمرين المصريين!
أولاً: على الصعيد الرياضي.
يبدو للبعض الآن أن ما حدث أمر يضر بمصلحة الكرة المصرية، وهذا هو نفس الشعور الذي حدث في إنجلترا عندما اشترى “رومان إبراهيموفيتش” نادي “تشيلسي” في ٢٠٠٣ ، حيث قالت الصحف الجماهير وقتها إنه سيخرب الكرة الإنجليزية وأن هذا أسوأ ما حدث في إنجلترا؛ بمرور الشهور تبين أن هذا أفضل شيء حدث في الكرة الإنجليزية منذ ثلاثة عشر عاماً؛ حيث كان الدوري الإنجليزي بين “مانشيستر” أو “أرسينال”، ثم بعد ذلك تم بيع “ليفربول” ثم ”مانشيستر سيتي”، وهذا ما جعل الدوري الإنجليزي أفضل دوريات العالم، لأن المنافسة أصبحت كبيرة بين عدة أندية.
تبنت جماهير الأهلي فكرة صُدرت لهم من بعض أعضاء مجلس الإدارة واللاعبين السابقين، أن الرجل جاء بكل هذه الاستثمارات فقط ليخرب الأهلي!
إذا كان يريد تخريب الأهلي فقط كما يدعون، فكان من المنطقي أن يدعم الغريم التقليدي بكل هذه الملايين من الدولارات، وسيصبح الزمالك وقتها من أقوى أندية العالم لا مصر فقط!
الفائدة الحقيقية المهمة لمصر على المستوى الرياضي، أن بيراميدز سيكون البداية مثل تشيلسي في إنجلترا، وسيكون السبب في رفع مستوى الكرة المصرية لمراتب عليا، بعد أن تصبح المنافسة أكبر من الأهلي والزمالك، ويدخل خمسة أندية أخرى للمنافسة، وهذا بالقطع سيعود بالفائدة على المنتخب المصري الذي عجز الدوري المصري عن توفير له رأس حربة يليق بالمونديال.
ثانياً: على الصعيد الاقتصادي.
هذا هو الوقت الصحيح للاستثمار في الرياضة المصرية، فالمناخ خصب للغاية على صعيد الاستثمار الرياضي، فمصر لديها ١٠٠ مليون مشجع وهذا رقم كبير في معادلة الاستثمار؛ وما زلنا حتى الآن لم نطبق الاحتراف، ودخول “تركي آل الشيخ” هو البداية الحقيقية للاحتراف، حيث سيجعل الكثير من رجال الأعمال العرب والمصريين يقلدون ما حدث مع بيراميدز، خاصة بعد أن يستطيع الفوز بأول بطولة له، وستتحول الكرة المصرية بالفعل لصناعة حقيقية، والتي يعمل بها أكثر من ٥ ملايين في هذا المجال بشكل أو بآخر.. ومع ذلك ما زلنا نعيش شبه احتراف وشبه صناعة.
فضلاً عما تقوم به قناة بيراميدز الآن من استقدام أهم نجوم العالم إلى مصر، وهذا أمر يلقى صدى عالميًا، فمصر الآن آمنة لدرجة أن تلك الشخصيات العالمية تتوافد عليها باستمرار، وهو ما يدعم السياحة المصرية بشكل غير مسبوق.
ثالثاً: على الصعيد السياسي
الاستثمار في الرياضة المصرية دائماً ما يكون تأثيره أعلى وأهم من أي استثمار آخر، بسبب عاطفة المصريين تجاه الكرة، وهذا ما يزيد قوة العلاقة بين مصر والمملكة العربية السعودية، قوة ترابط فوق قوتها الكبيرة الآن، فالترابط الرياضي بهذا الشكل الذي أصبح حديث الشارع المصري والسعودي سيقي البلدين من أي تدخلات مشبوهة، من شأنها إثارة القلاقل بين الشعبين اللذين تربطهما علاقات قوية منذ زمن بعيد، كان ينقصها هذا الترابط الرياضي.
في النهاية، عند العرب والمصريين بشكل خاص، كل شيء جديد من نوعه هو غريب ومريب، هكذا للوهلة الأولى، لكن بالنظر إلى الأمور من مناظيرها وأبعادها الحقيقية سترى ما لم تره وأنت تفترض فرضيات ليست موجودة سوى في خيالك أنت.. وقتها ستكتشف أن كل ما ظننته ولم يبنى عن دراية وعلم، فهو بالقطع سوء ظن.
على الجميع أن يتعلم أن الحُكم يكون على التجربة عندما تكون جديدة في آخرها، وليس الحكم على النوايا من وراء التجربة، ولا التوقف عند بوستات الفيس بوك والتصريحات التي قد تكون غاضبة أحيانًا، لكن هل في محلها أم لا، هذا هو السؤال.
نرشح لك: تركي آل الشيخ: نرفض مشاركة الأهلي في السوبر المصري السعودي