عمرو قورة
أول ما تراه عيناك في أول لقطة من المسلسل… صحراء أمريكية شاسعة… “بنطلون طاير في الهواء وبيهبط على أرض شارع”، وفي الحال تمر عربة من نوع الكارافان على “البنطلون” وتهرسه، ثم نرى السائق، رجل متوسط العمر، يرتدي الجزء الأسفل فقط من ملابسه الداخلية، وحذاء وشراب وقناع واقي من الغازات، ويقود سيارة كارافان وبداخلها كمية من الأشياء التي تتناثر يمينًا ويسارًا مع حركة العربة، وهناك بعض الأشخاص ملقون على أرض الكرافان فاقدي الوعي و”لابسين” أقنعة أيضًا، ويختل التوازن من السائق فتنحرف إلى جانب الطريق وتتوقف… يخرج السائق “بالكيلوت” فقط والحذاء، ويرمي القناع بعصبية شديدة، وبعد نوبة سعال غير عادية، يسمع أصوات سرينة سيارات الشرطة من بعيد، فيرتبك ويتجه إلى داخل الكرفان، ويحضر كاميرا فيديو ومسدس من جيب أحد الركاب فاقدي الوعي، ثم يقف ويسجل رسالة إلى عائلته يحذرهم من عدم تصديق ما سوف يسمعونه عنه، ويرتدي قميصًا أخضر “زرعي” كان معلق على مرآة العربة الخارجية، ويتجه إلى وسط الشارع، ويرفع المسدس في الاتجاه الذي تأتي منه أصوات سيارات الشرطة، و”تنزل تترات المقدمة… أي حد حايشوف المشهد ده بكل غرائبه و محتوياته لا بد وأن يكمل مشاهدة الحلقة وإلا يبقى شخص مش طبيعي”.
هذه هي بداية أول حلقة من مسلسل بريكينج باد، المسلسل الذي حطم أرقامًا قياسية في المشاهدة، وأصبح أحد علامات الدراما، وفي المقدمة وأثناء تسجيل الفيديو لعائلته قال السائق اسمه لأول مرة للمتفرجين، والتر وايت، الاسم الذي سيكون واحدًا من أشهر أسماء الشخصيات الدرامية في تاريخ التلفزيون، وكان الكاتب فينس جيليجان يحلم بمسلسل ينقلب فيه البطل من قوة الخير إلى قوة الشر Protagonist turns into the Antagonist، وكان من الصعوبة بيع نوعية السيناريو غير المعتادة إلا لشبكات الكيبل، ولو قرأت وصف الشخصية فستجده أستاذ كيمياء في مدرسة ما، يكتشف أنه مصاب بالسرطان، ويستخدم علمه الكيميائي في تحضير مخدرات من نوعية الـCrack Cocaine، ويستخدمها لجمع الأموال وتخزينها ليتركها ورائه لعائلته.
والتر وايت هو مثل كل شخص مننا، “عايش في وسط العالم”، يحارب، يحاول، ويناضل من أجل لقمة العيش، وفجأة! ينقلب ذلك الشخص الطبيعي المتوسط الحال إلى أكبر مصنعي المخدرات، ويتحول إلى مجرم ثم إلى قاتل، ونراه يتحول أمام أعيننا من شخص نتعاطف معه إلى مجرم عتيد بلا رحمة، واستطاع النجاة من مصيره أكثر من مرة خلال الحلقات بصعوبة بالغة، وحتى عندما أصبح كبير مصنعي مخدر الكراك، ونراه يقتل، وينصب، وينهب، كان الجمهور متعاطفًا بشدة مع “والتر وايت” ويتمنى له النجاة والإنقاذ، حتى لو كان مجرمًا وقاتلًا وتاجر مخدرات، عبقرية من صناع العمل، ومن الممثل الرئيسي ومحور المسلسل بريان كرانستون، الذي عهدناه ممثلًا كوميديًا في مسلسل مالكولم إن ذا ميدل.
بدأ الموسم الأول عام ٢٠٠٨، في عز إضراب الكتاب الأمريكيين فاكتفوا بعدد حلقات قليل في الموسم الأول، واستمر الحال خمسة مواسم متتالية انتهت في عام ٢٠١٣، بعد أن حقق نجاحًا هائلًا، وكان من أحد أسباب بداية نجاح شبكة “نتفليكس” التي أعطت المسلسل قبلة الحياة في الاستمرار، على منصتها، بعد عرضه على شبكته الأصلية، وهو من كتابة وإبداع فينس جيليجان، وإنتاج شركة سوني، وتكلفت الحلقة متوسط ٣ مليون دولار، وتم تصوير المسلسل بأكمله في الباكيركي، في ولاية نيو ميكسيكو.
جدير بالذكر أن المسلسل كان مكتوبًا على الورق بطريقة مملة وكئيبة وتم رفضه من كل الشبكات الأمريكية وقنوات الكيبل، إلا شبكة AMC التي تعاقدت على عرضه رغمًا عن أنهم كانوا قد بدأوا إنتاج مسلسل Weeds والذي يحكي قصة امرأة اتجهت لزراعة الماريوانا، والاتجار فيها، “يعني نفس الموضوع تقريبًا”، ومع ذلك قرروا أن يعطوا الدور الأخضر للمشروع من حسن حظ جميع المشاهدين.
ما هو سر نجاح مسلسل يحدث في مكان صحراوي مفقر وبطله مُصنّع وتاجر مخدرات عنده سرطان وبيموت؟ ما هو سر حب المشاهد لشخصية والتر وايت حتى لو رآه بام عينه وهو يتحول لمجرم خطير؟ هل الكراك كوكاين الذي كان يصنعه والتر وايت مبني على نظرية علمية صحيحة أم هي افتكاسات كاتب الدراما؟ كل هذه الأسئلة سيتم الإجابة عليها يوم الأحد القادم إن شاء الله… ودمتم.
نرشح لك: عمرو قورة يكتب: مسلسلات غيرت وجه الدراما (٢) – لوست / Lost (الجزء الأول)