ماذا تريد منّا برامج الشذوذ والاغتصاب وزنا المحارم؟، و”منا” هنا عنا نحن المواطنين.. عن المشاهد الذي يتجرّع تلك المواد الإعلامية الباهتة والمقززة، والتي لا وراءها –في نظري المتواضع- سوى جذب المراهقين والفضوليين لحفلة إعلانات تدر أرباحا على أصحاب “السبوبة”، وتجعل اسم مقدم برنامج هنا أو مذيع هناك يعود للأضواء السوداء والأحاديث الجانبية بين البسطاء، فهي عودة غير محمودة، وبزوغ نجم فاشل في سماء الإعلام المصري.
لقد سألت سؤالا مماثلا من قبل عن أهداف هؤلاء الذين يصنعون ألوانا قبيحة من الإعلام الرخيص، لكن يبدو أن أحدا لا يهتم، فحاولت جاهدا متابعة بعض البرامج العربية حتى تلك التي تحتوي على تلك النوعية من الموضوعات المصنفة للكبار فقط، لكن رأيي أنها في بعض البرامج على شاشات غير مصرية تناقش بموضوعية وبحدود اللياقة، وبكلمات لا تؤذي مسامع المشاهد أو المستمع، ومحصلتها مناقشة “ظاهرة”، والظاهرة هي تلك الوقائع التي تشكل واقعا ملموسا متكررا وليس مجرد حالة أو اثنتين تلهث وراءها وسائل الإعلام.
الصور المكرّرة لحالات الشذوذ الجنسي أو تغيير الجنس وزنا المحارم واغتصاب الأطفال وغيرها، واستضافة هؤلاء الأشخاص “عيني عينك” والخوض في تفاصيل مملة حول تلك الموضوعات، في ظني أنه لا هدف منها سوى إثارة غرائز مريضة لدى متابعين لديهم نهم مشاهدة كل ما هو غريب، حتى لو على حساب القيم المجتمعية التي بدأت في التفكك وكان الإعلام سببا رئيسيا في ضياع جزء كبير منها، وهو ما أعادني بالذاكرة لعصر ما قبل الانفتاح الإعلامي الذي جعل “الدش” متاحا بأقل الأسعار في كل بيت، وقت أن كانت عبارة “تعالوا نشوف الفيلم” التي تخرج من فم الدكتور مصطفى محمود مثلا في برنامجه “العلم والإيمان”، أو الجولة الغريبة في برنامج “مواقف وطرائف” لمقدمه جلال علام، مواد إعلامية مدهشةتستحق الانتظار، وتقدم الفائدة والترفيه على حد سواء.
كنت أتابع بالأمس حلقة برنامج “هي مش فوضى”، على فضائية TeN ، وكانت فقرة بعنوان الهجرة غير الشرعية، ومناقشة أسبابها وطرق حل الأزمة، المناقشة الموضوعية والضيفان الكريمان كانا سببا في تغاضي عينيّ عن “الريموت كنترول” حتى انتهاء البرنامج، إلا أنني لم أكد أغير المحطة إلا ورأيت البرومو الذي تقوم فيه المذيعة نفسها بمحاورة عدد من المتحولين جنسيا “شيميل”، وما تضمنه هذا البرومو من رقص وعريّ، وهنا تساءلت عن سبب إذاعة مثل هذه اللقاءات واللقطات ولم أجد إجابة سوى أنه الجيل الجديد من البرامج التي تبحث عن مشاهد حتى لو كان بطرق ملتوية، كسيدة تحاول جاهدة إغواء رجل شريف لطريقها المعوج، وتنجح.
النماذج غير قابلة للإحصاء، فشاشات الفضائيات التي تتبنى تلك البرامج، لا تقل قبحا عن تلك التي تسرق الأفلام الجديدة وتعرضها وسط كمية كبيرة من إعلانات النصب بالأعشاب أو أقراص السعادة الزوجية الوهمية، وللأسف فإن رواج تلك النوعيات من الدعارة الإعلامية، يعود بالأساس لشريحة كبيرة من المشاهدين تشجع هذا المنتج، وأحيانا تطلب المزيد، وتتفاعل مع مخربي العقول وتقدم لهم أسباب النجاح على طبق من فضة، فتلك المذيعة أو هذا الإعلامي عندما يجد أي منهما من يلتقط بجواره صورة “سيلفي”، أو يتصل به ليمجده ويشكره على جرأته في اختراق مشاكل المجتمع فإنه بالطبع لن يتوقف، بل سيكون نموذجا لآخرين يعتبرون الانحطاط أحد أسباب النجاح.
واستكمالا لتلك “السبوبة”، فإن هناك منتفعين ومتسلقين من أصحاب المواقع الإلكترونية “المعروفة”، يجمعون فتات تلك القضايا المثيرة “جنسيا” ويكتبون عنها عشرات الأخبار مسبوقة بكلمة “بالفيديو”، لتتيح الفرصة لإعادة المشاهدة لمن شاهد، وتحصد جمهورا جديدا لهذا المنتج من متابعي المواقع الإلكترونية، وفقط عليك الدخول لتلك المواقع والذهاب ناحية باب “الأكثر قراءة”، وأنت تعرف سبب استمرار تلك المهازل، وأن وجود كلمة “جنس” في أي برنامج تليفزيوني أو خبر على موقع إلكتروني هو الباب الأوسع لحصد المتابعين.. والأموال أيضاً.