مها ناجي تكتب: البحر للجميع

في يوم من أيام المصيف الثمينة والنادرة قررت نزول البحر في الثامنة صباحًا في حالته الصافية الخالية من الأمواج والأهم من ذلك الشاطئ الخال من الأطفال والناس. وبعد محاولاتي الفاشلة في إقناع أولادي بالبقاء معي ظللت وحدي في الماء، استمتع بمياه الساحل الشمالي الفيروزية وحدي كما لو كان هذا الشاطئ خاص بي تمامًا، إلى أن جاءت هي… سيدة عجوزة تبدو في العقد السابع من العمر، ترتدي جلبابا متواضعا وتلف رأسها بمنديل أبيض يغطي شعرها وتنتعل شبشب أسود مهترئ، توقعت أنها تعمل بأحد البيوت القابعة علي الصف الأول بالقرية الراقية.

لم تلاحظني السيدة وأنا في الماء أراقبها تقترب في بطء نحو الماء، خلعت شبشبها وأمسكت به بيد وطرف جلبابها باليد الأخرى، ووضعت قدميها في الماء وعلي وجهها ابتسامة خفيفة، بدا أنها تفكر في النزول إلى الماء ولكنها ربما المرة الأولي لها حيث بدت مترددة. أخذت السيدة بعض الخطوات علي طول الشاطئ وخطوتين داخل الماء، وأنا أراقبها وأتخيل سعادتها بتلك اللحظات وأتمنى أن أقول لها “انزلي يا حاجة الميه متتفوتش”.. إلى أن جاء هادم الملذات ابني الصغير يصرخ ليعلن عن انضمام جدته وأخوه إلى فقرة الـ”بلبطة” الصباحية. نظرت إليهم السيدة العجوز وبدأت في المشي نحو الجانب الآخر من الشاطئ مبتعدة عنا، وهي لا تزال حافية وممسكة بالشبشب في يدها.

انشغلت لدقائق بنزول الأولاد للمياه ولعبي معهم، وبعد بضع دقائق نظرت ناحية الشاطئ باحثة عن السيدة، فوجدتها ابتعدت كثيرًا عننا وجرت كرسيًا بلاستيكيا ناحية الماء وجلست صامتة، تلمس الماء بقدميها ولا تنظر نحونا علي الإطلاق. ودارت بذهني خواطر كثيرة، لماذا لم تنزل السيدة إلى الماء؟ واذا كان وجودنا ليس هو السبب، لماذا ابتعدت مع أن الشاطئ في البقعة التي كانت تقف فيها قبل وصول عائلتي كان رائعًا؟ هل هي أوامر من أصحاب العمل؟ أم قامت السيدة نفسها بوضع قيود لنفسها تحرم عليها نزول الماء طالما حضر المصطافين الرئيسيين في القرية؟ شعرت بالأسى لهذه السيدة التي قد نكون في الغالب قد أفسدنا عليها لحظات قليلة من السعادة، فقد تكون لحظات الصباح الهادئة هي الفترة الوحيدة التي كانت تأمل في اختطاف دقائق لتجربة متعة الآخرين اليومية في البحر.

أتفهم وجهة نظر الكثيرين ممن قد يهاجموني لتلميحي بحق الناس البسيطة في الاستمتاع ببحر الساحل الشمالي الذي تم حجبه علي مدى مئات الكيلومترات بالمنتجعات الخاصة، والتي يتم دفع الملايين لامتلاك شاليه بأحدهم، وبالتالي يمتلك مصطافي تلك المنتجعات الحق في الحفاظ على هذا الحق الحصري في الشاطئ الخاص وخلق بيئة اجتماعية محددة.

ولكن، أليس من الممكن التماس العذر لمن يأتون للساحل الشمالي لخدمة أصحاب تلك الشاليهات؟ ألا يستحقون تجربة هذه المتعة لدقائق قليلة في غير أوقات عملهم؟ فبعضهم، إن لم يكن كلهم، قد لا تسنح له الفرصة لرؤية تلك الشواطئ أو تجربة مياهها إلا مرة في العمر، التي قد تكون هي التجربة التي ينقلونها لعائلاتهم وتصبح هي محور أحاديثهم كإنجاز غير مسبوق وتجربة يحسد صاحبها عليها. حتي ولو كانت دقائق قليلة في الصباح الباكر.

وجاءت مربية أولاد أختي الأفريقية الأصل لتثبت لي العكس عندما رأيتها قادمة إلى الشاطئ وربطت شعرها إلى الخلف ونزلت إلى المياه، بدون خجل أو استحياء أو إحساس بأنها تفعل ما لا يصح أو غير مسموح، وأخذت أراقب تعبيراتها الطفولية السعيدة التي لم تأبه لقواعد اجتماعية غريبة وضعها الناس، ربما اختارت هي الأخرى النزول باكرا لعدم الاحتكاك بنزلاء القرية، ولكنها أخذت الخطوة ونزلت إلي المياه، ونجحت في اختطاف لحظاتها من السعادة.

“عارفة يا مامي؟” افتتح ابني الكبير حديثه كالعادة في طريق العودة إلى القاهرة، وأكمل “ماري صعبانة عليا أنها منزلتش البحر غير مرة واحدة، يعني ملحقتش تتبسط”. سكت للحظات أفكر في الجملة “الطبيعية” التي قالها غير المشوبة بأية قواعد اجتماعية وأجبته “عندك حق يا حبيبي، المرة اللي جاية إن شاء الله”.

نرشح لك – مها ناجي تكتب: عشان الرسول قال!!