مع كل حدث جلل، أو خبر عاجل، أو أزمة كبرى، تنهال الانتقادات على القنوات المصرية لأن معظمها لا يواكب المجريات بالسرعة الكافية ناهيك عن الدقة والمصداقية، ويتكرر السؤال الذي نردده منذ كنا شبابًا نخطو بأقدامنا لأول مرة في صناعة الميديا المصرية.
سؤال عن سبب غياب الإعلام المصري الإخباري عن الخريطة العربية، ولن نقول العالمية. لماذا لا نمتلك قناة بقوة وتأثير “العربية” أو “سكاي نيوز عربية” أو حتى للأسف “الجزيرة” التي بدأت عربية ثم انتهت قطرية تركية إخوانية؟ ولو كان السوق ممتلئًا ومن الصعب المنافسة فيه -كما يردد بعض الإعلاميين العاجزين- لما نجحت قنوات مثل “BBC” و”فرانس ٢٤” و”RT الروسية”، في إيجاد مكان لهم على الخريطة. ولو رجعنا ٥٠ عامًا للوراء كانت إذاعة “صوت العرب” أهم مصدر للأخبار في العالم العربي كله، إلى أن انكشف المستور في نكسة ٦٧ واتجه الناس الى BBC و إذاعة “مونت كارلو”، بعدما اكتشفوا زيف وكذب “صوت العرب” والإذاعات المصرية وماسبيرو ونشرات أخباره في تلك المحنة.
وبعد انتصار ١٩٧٣ قل اهتمام الشعوب بالسياسة ولم يلتفتوا للقنوات الإخبارية، لأن الزمن كان يتسم بالهدوء وغياب الحروب -لمصر على الأقل- ثم عاد الاهتمام بعد الغزو العراقي للكويت، والتي نقلت لنا كشعوب لأول مرة عبر قناة CNN والتي سمح بإذاعتها بعد اتفاق سياسي، وفتحت عيون الشعوب العربية على نوعية جديدة من الأخبار. مراسلون في كل مكان ينقلون الأحداث لحظة بلحظة، تغطية محترفة وتبدو غير منحازة لأي من الأطراف، متابعة ٢٤ ساعة يوميًا، وتغير أسلوب استهلاك الأخبار في العالم العربي للأبد.
كل هذا بينما كنا نحن مشغولين بافتتاح قنوات إضافية لا يشاهدها أحد كل عام، لكي يستطيع وزير الإعلام وقتها السيد صفوت الشريف التفاخر أمام الرئيس مبارك بأن مصر رائدة وعدد قنواتها أصبح كذا، وما صاحبها من أكاذيب حول ريادة مصر الإعلامية التي لا تفنى ولا تستحدث من العدم، وكلنا صدقنا بما فيهم الرئيس مبارك وعشنا سعداء حتى ظهرت قناة الجزيرة سنة ٩٦، والتي صممها وبناها وأدارها لفترة خبراء BBC، فاتبعوا أسلوبًا علميًا محترفًا في التجهيز والتدريب، ولم يعينوا بنت خالة السيد مدير الحسابات ولا اختاروا حفيدة السيد عبد التواب كبير موظفي الأرشيف، بل عينوا محترفين وشبكة لا نهائية من المراسلين، وفقدنا الريادة الإخبارية من وقتها وحتى هذه اللحظة من القرن الحادي والعشرين، ليس فقط في الفضائيات بل أيضًا في الصحافة بسبب طريقة التفكير الستينية.
أتذكر في نهاية التسعينات من القرن الماضي أن “الأهرام” بدأت في إطلاق نسختها الدولية لتنافس وقتها جريدتي “الشرق الأوسط” و”الحياة”، وكان وقتها المرحوم إبراهيم نافع رئيسًا لمجلس الإدارة للمؤسسة العريقة، وصمم على أن أخبار الرئيس مبارك يجب أن تتصدر ترويسة الصحيفة كل يوم، وكانوا ينشرون أن الرئيس (بدون ذكر اسمه) يفتتح مشروع كذا في بهتيم، وكأن مبارك هو رئيس كل العرب، وطبعًا فشلت النسخة الدولية لأنها صارت على نهج الجرائد المملوكة للدولة، ولم يفهموا طبيعة الوصول للقاريء الدولي الذي لا يهتم كثيرًا بأخبار رئيس مصر، لأن هذا شأن داخلي، وظلت هذه الطريقة تسيطر على الإعلام المصري حتى وقت قريب.
ولو سألنا أي طالب في سنة أولى إعلام عن سبب تدهور ريادتنا الإخبارية، سوف يشخّص المرض في دقيقة، فلن يشاهد أحد إعلام واضح أنه يقول نفس الشيء تماما في نفس الوقت ومن وجهة نظر أحادية فقط، ولو اشتريت جرائد مصر القومية ستجد المانشيت واحد لا يتغير، ومع أن هذا الأسلوب مريح للمسؤولين، إلا أنه خادع ولا ينقل ما يجري في الواقع، ويعزف المشاهد عن مشاهدة إعلام لا يصدقه. وللأسف ومهما كان هذا الوصف موجعًا فهو لسان حالنا الآن. لو عايزين نعرف عن أخبار مصر بقينا بنتجه للقنوات الخارجية، ومنهم القنوات العاقة التي افتتحها الإخوان والتي تبث أكاذيب من تركيا ليل نهار. لكن المشاهد على استعداد لتصديقها أو على الأقل مشاهدتها لأنه فقد الثقة في معظم إعلامه، ولا يجد أي خبر أو تعليق يشفي غليله ويرضي فضوله على قنواتنا، ودي مصيبة كبرى في عصر التكنولوحيا والمعلومات لو تعلمون.
إذا ما الحل؟ الحل ببساطة أن نلجأ للخبراء، أرجوكم بلاش افتكاسات واختيارات من أهل الثقة اللي دايما موجودين في كل مناسبة.. تعاقدوا مع شركة عالمية تضع أساس للقناة الإخبارية وسياسة تحريرية وتتمتع بالمصداقية لكل أبناء الوطن العربي، يجب أن تكون قناة محترمة صادقة تسمح بالرأي والرأي الآخر، ذكية في تناولها للمواضيع، ولديها شبكة مراسلين محترفين في جميع أنحاء العالم، تستضيف شخصيات هامة وليس جنرالات المقاهي، والأهم من كل هذا احترام المشاهد واحترام عقله والنهوض بمعلوماته وقيمه.
وعندما تنتهى المؤسسة العالمية في الإعداد لإطلاق تلك القناة، نجلب مديرين للقناة ليسوا من أهل المهنة، بل مهنتهم الإدارة والاقتصاد وتوفير الموارد الصحيحة، فإدارة القنوات الفضائية وتطويرها لا يحتاج منتجين ولا صحافيين ولا مذيعين ولا كتاب -فبلاش نكرر نفس الغلطة لعاشر مرة- وتبدأ الإدارة الجديدة في تعيين صحافيين وإعلاميين ومذيعين بعد اختبارات يشيب لها الولدان، وتفصل الملكية عن الإدارة تمامًا (مع العلم أن القناة ستحقق خسائر مادية كبيرة) ولكنها أفضل من صرف الأموال على برامج ساذجة ومسلسلات منتهية الصلاحية وافتتاح قنوات بلا سبب في الرايحة والجاية.
نرشح لك: عمرو قورة يكتب: وين المصاري؟
أنا لا أقول لغوا ولا تنظيرا.. الدنيا مليانة ناس تساعدكم بجد بدون فتي ولا مصالح خفية، ولو مش عارفين توصلولهم أنا تحت أمركم وأسهل حاجة أبعت واتساب بالأسماء والأرقام لمن يهمه الأمر، ده لو حد مهتم فعلا. ده غير إني عارف إن فيه ستوديو إخباري لدى إم سي نيوز مجهز على أحدث طراز به ٥٠٪ من الاستثمار مدفوع وجاهز. أما المذيعين والصحفيين والمعدين أنا مستعد في ظرف ساعة أكتب قائمة من النبهاء في المهنة الموجودين حاليا، فهناك كوادر بشرية ممتازة موجودة في الساحة، ولنا في اختيارات ألبيرت شفيق في “إكسترا نيوز” مثالا يحتذى به في هذا الجانب، ولنا في الجانب الآخر الاستغناء عن بعض أهم المذيعين لمجرد أن دمهم ثقيل ولا ينافقون.
الصورة الموجودة أعلى هذا المقال هي صورة المراسلة الأمريكية كيسي سيميون، والتي تعمل في شبكة إن بي سي وهي تهرول خارج مبنى المحكمة لتبلغ القناة التي تعمل بها لتكون أول من يذيع خبر الحكم على بول مانافورت مدير حملة ترامب، لأنه كان ممنوعًا دخول الموبايلات داخل المحكمة، وأصبحت صورتها تتصدر كل الصحف الأمريكية كمثال حي للصحفي الذي يريد الانفراد ويريد السبق ولكن بعد التأكد من صحة الخبر بنفسها، هذا النموذج هو الذي تبنى عليه القنوات الإخبارية، فهل لدينا في مصر من يسمح للمراسلين بتقديم أخبارهم بهذه الطريقة.
أعتقد إن لو فيه مشروع تلفزيوني تقليدي (غير رقمي) يستحق الاهتمام والاستثمار فيه من الدولة، فهذه القناة هي بالتأكيد ذلك المشروع، كخطوة أولى تتبعها خطوات أخرى لعودة ريادتنا الإعلامية والفنية والثقافية التي فقدناها بفعل فاعل وبجهل مطبق، ولا يعني كل ما سبق أننا مضطرون للبداية من الصفر، فلدينا قنوات إخبارية نجحت في اكتساب ثقة الجمهور، لكنها لا تزال تحتاج للكثير ولو حصلت على ما سبق من إمكانات فسنصل لخط النهاية أسرع بكثير.