طوال الوقت والمهمشين حاضرين في الأدب والسينما فهم يشكلون جزءًا هامًا في أي مجتمع ومادة درامية ثرية مليئة بالحكايات، ولكن تم اختصار معظم الأفلام عن العشوائيات وأهلها المهمشين بالمجتمع في مثلث حكايات “العنف والجنس والمخدرات”.. واقتربت السينما من هذا العالم في السنوات الأخيرة أكثر من مرة نتذكر منها “سارق الفرح” لداود عبدالسيد عن قصة الأديب خيري شلبي، و”ليه يا بنفسج” لرضوان الكاشف، وكذلك المخرج خالد يوسف في أكثر من عمل، وممكن القول أن بعض هذه الأعمال اقتربت من الواقع ومشكلات المهمشين في العشوائيات وقدمها بشكل جيد والبعض الآخر أساء تقديم هذا العالم.
أحدث أفلام عالم المهمشين هو “سوق الجمعة” من إخراج سامح عبدالعزيز، والذي يعتبر من أكثر المخرجين تقديمًا لأفلام عن تلك الطبقة ومشكلاتها خلال أكثر من عمل أبرزها “الفرح _ الليلة الكبيرة”، وحقق نجاحات متفاوتة في تلك الأفلام التي حملت توقيع المؤلف أحمد عبدالله، هذه المرة القصة تأليف محمد الطحاوي والسيناريو والحوار أحمد عادل سلطان.
اختار صناع فيلم “سوق الجمعة” أن يكون “السوق” الشهير وأهله مكانًا لحكايتهم السينمائية، وبدون شك عالم السوق في أي مكان بالعالم يعطي دراما رائعة فهو مليء بنماذج من البشر ممكن اعتباره مدينة مستقلة تشاهد فيها كل النماذج التي تتوافد إليه من جميع المدن بخلاف أصحاب السوق، وهنا تحديدا نذكر واحد من أهم الأعمال التي أقتربت من عالم “السوق” فيلم صلاح أبو سيف “الفتوة” والذي كتب له السيناريو والحوار نجيب محفوظ والسيد بدير.
حاول فيلم “سوق الجمعة” والذي يتم فيه بيع كل أنواع البضاعة الاقتراب من أهل السوق من خلال عدة نماذج مر على بعضها سريعا دون تفاصيل للشخصيات، ورغم أن عالم السوق وحكاياته يكفي لصناعة دراما جيدة، إلا أنه اختار أن يخلطه بالإرهاب وتجارة الأدوية! مع تقديم نموذج “فتوة” السوق أيضًا، في اعتقادي أن مجتمع المهمشين به ما يكفيه من مشكلات تكفي لصناعة فيلم مثير دراميًا بدلًا من “تلفيق” قصة الإرهاب!
المعالجة الدرامية جاءت سطحية لعالم السوق وكانت كأنها كاركترات “محفوظة ومكررة فكبيرهم “فتوة” السوق يجلس ويفرض الإتاوات ويجب أن يعجب بواحدة من فتيات السوق، وأخرى تجسد المرأة اللعوب لإغراء رجال السوق، نماذج كثيرة تشاهدها في جميع الأسواق ولكن الجديد الذي حاول الفيلم أن يأتي به أن فتوة السوق يعمل في تجارة أدوية السرطان “تماشيا” مع مرض العصر الحالي! إلى جانب بالطبع تجارة المخدرات! ولذلك جاءت معظم الشخصيات “مبتورة” غير واضحة المعالم ولا مقنعة للمشاهد، بائعة الكبدة “فاتنة السوق” لماذا طموحها يقف عند أحد صبيان المعلم غير الوسيم وتقع في حبه! والذي يستغلها في عمليات للنصب!
الفيلم لم يتعمق في مشكلات أهل السوق والتي كانت تكفي أن نعيش مع قصصهم وحكاياتهم ولكن السيناريو ظهر مرتبكًا مع معظم الشخصيات الكثيرة حتى وصل لنهاية الفيلم “شبيهة بنهاية فيلم كباريه” بمشهد تفجير السوق، وكأن هؤلاء ليس بهم ما يكفيهم حي يدفعوا الفاتورة حياتهم على يد الإرهاب والذي له أعمال أخرى توضحه بشكل أفضل من “حشوها” في فيلم عن أهل السوق الذي كان من الممكن أن يقدم فيلمًا أفضل كثيرًا بالتركيز على عالمه الخاص.
عنصر التمثيل من محاسن الفيلم، عمرو عبدالجليل كعادته موهبته متجددة بشكل كبير، فلم نكد ننسى شخصية “حربي” التي نجح في تقديمها في مسلسل “طايع”، حتى يفاجئنا بشخصية “خرطوش” فتوة السوق الذي يفرض إتاوات على الجميع ولكنه قدمها بخفة ظل لافتة ووضح إعطاءه مساحته الكافية للارتجال في أكثر من مشهد وأفضلها كان مشهد بينه وبين صبري فواز، أظهر فيه قدرة وموهبة كبيرة في الكوميدية.
وقدمت شخصية لافتة أيضا ريهام عبدالغفور والتي تعيش أفضل فتراتها كممثلة، تقدم أدوارًا مغايرة وتنجح فيها، وهنا هي الفتاة اللعوب الجريئة التي تغوي الرجال، وأيضًا قدمت أداء جيد دلال عبدالعزيز والدة بلطجي السوق، أما نسرين أمين فكان ظهورها معقول حساب مساحة دورها، وأيضا صبري فواز في شخصية الإرهابي الذي يتخفى في زي “تاجر” الآثار أداءه مقبولًا وكذلك محمد عز يعتبر من أفضل ممثلي الأدوار الثانية حاليًا.
من الممكن أن نقول فيلم “سوق الجمعة” بانوراما سريعة عن “السوق” لم تقترب بالقدر الكافي دراميًا من هذا العالم “الثري” دراميًا بشخصياته الكثيرة.