محمود خليل: عدلي رضا

يكبرنى فى العمر بحوالى عقد من الزمان، عندما تعرفت عليه لأول مرة كان عائداً لتوه من إعارة بإحدى الدول العربية، وقتها كنت مدرساً مساعداً بكلية الإعلام، وكان هو على درجة أستاذ مساعد. جمعتنا فترات مطولة كنا نتجالس فيها ونحن نؤدى أعمال أحد «الكونترولات» بالكلية، ثم طالت الأحاديث بيننا، عندما كان يصر على توصيلى بسيارته الـ«127» إلى حيث أسكن بحى «السيدة زينب». رغم أن عقداً من الزمان كان يفصل بين عمرى وعمره فإن الأوجاع ألّفت بيننا، وكان جوهر الوجع أزمة إنسانية مر بها كلانا. الناس شركاء فى الوجع، أو قل إن الوجع هو أعدل الأشياء قسمة بين الناس لذلك فقد استمعت إليه كثيراً، واستمع إلى أكثر، ورغم استغراق كل منا بمرور الوقت فى دوامة الحياة، إلا أن «أحاديث المحنة» ظلت جوهراً يعيد لهذه العلاقة تألقها كلما فترت.

كان «عدلى رضا» موعوداً بالمحن، لأنه كان شديد الحب للحياة، وعظيم الرغبة فى التفاعل معها. سقط منذ ما يقرب من عشر سنوات مريضاً بأزمة قلبية حادة خلال مشاركته فى مؤتمر علمى بالمملكة العربية السعودية. ومكث هناك لعدة أسابيع من أجل العلاج، كنا نسأل بعضنا البعض فى كلية الإعلام: «أليس هناك خبر مطمئن؟»، وكانت الإجابة: «لم يزل فى الغيبوبة». كذلك مكثنا أياماً طويلة، حتى عاد إلينا، كان المرض ينحت ملامحه، ويبدو وكأنه أكل من جسده، لكن ابتسامته كانت مطمئنة، فقد كانت دائماً مؤشراً مونبئاً على المقاومة وإرادة الحياة والتمسك بها، على قسوتها!

وحيداً عاش.. فلم يكن له زوجة أو ولد أو بنت، لذلك فقد كان شديد الحرص على التواصل مع الآخرين، كان يسعد بـ«لمة الناس» من حوله، فيهم تلامذته وزملاؤه والعديد من الإعلاميين الذين يتواصل معهم. لم يكن فناناً أو لاعب كرة أو إعلامياً ليعرفه المواطن العادى، لكنه كان أستاذاً للإعلام بجامعة القاهرة، يعرفه جيداً كل من اقترب من حقل الإعلام، سواء على المستوى الأكاديمى أو العملى.. هؤلاء جميعاً كانوا يشكلون له مصدر «الونس»، يسعد عندما يجد بينهم من يسمع له، وينصت مبتهجاً، عندما يجد فيهم من يشكو إليه. وآخر اليوم -وقد تعوّد أن يكون يومه بكلية الإعلام طويلاً- كان يأوى إلى بيته، موطن وحدته، ليعيش «موحوداً».

وحيداً مات «عدلى رضا»، كان هناك من ينتظرونه، لكنه تأخر على غير عادته، اتصلوا به.. ولا إجابة. ربما داهم البعض ذلك الخاطر المزعج، لكنه سريعاً صرفه عن تفكيره، وواصل المحاولة، لكنها ارتدت خاسرة. «المكتوب ما منوش مهروب». جرح بعضنا بعضاً داخل كلية الإعلام ونحن نتناقل الخبر: «مات عدلى رضا».. وحيداً فى غرفته بين الحوائط الأربع مات. الحزن إنسان.. والإنسان أحزان. أوجع قلبى موته، وتذكرت «أحاديث المحنة» أول معرفتى به. المحنة التى أراد الله تعالى أن يخرج منها إلى عالم أفضل: «ما عندكم ينفد وما عند الله باق». كل ما فى هذه الحياة ينفد، السعادة تنفد، والفرح ينفد، والحزن ينفد، والوجع ينفد.. ولا موجود سوى خالق الوجود.. فليرحمنا الله جميعاً.

نقلًا عن جريدة “الوطن”

اقرأ أيضًا:

23 معلومة عن نور الشريف في عيد ميلاده الـ 69‬

توفيق عكاشة للإعلاميين:طلعتوا …… الشعب

 9 تصريحات ليسري فودة أبرزها: لم أختلف مع الجزيرة مادياً ولم يوقفني أحد في ONtv   

 رانيا بدوي: هل تستطيع الحكومة تقديم كشف حساب بعد أول عام للسيسي؟   

مذيع إخواني لأماني الخياط: “مخك شبه الطشت”

الإعلاميون عن حمار المطار.. مسافر ومفخخ ومستني حمارة!

تابعونا عبر تويتر من هنا

تابعونا عبر الفيس بوك من هنا