نقلًا عن الشروق
عماد الدين حسين
فى الأسابيع الأخيرة، أحاول تدريب نفسى على أن أكون فى منتهى الجدية والوضوح والحزم والصرامة مع زميلاتى ومعارفى من السيدات عموما، حتى لا أجد نفسى لأى سبب من الأسباب متهما فى قضية تحرش، خصوصا بعد أن اكتشفنا فى الفترة الاخيرة انفجار بالوعة التحرش الجنسى فى كل مكان بالعالم تقريبا بالعديد من البشر كل يوم.
نرشح لك: محمد حكيم يكتب: يوميات مراسل.. كاميرا سرية في دولاب المخدرات!!
ما نسمعه ونقرأه ونراه داخل مصر وخارجها، يجعل الناسك والمتعبد حذرا وهو يتعامل مع الناس، فما بالك بإنسان عادى يعمل فى مجال الصحافة!!.
طوال حياتى المهنية، منذ بدأت العمل فى مجال الصحافة عقب تخرجى من إعلام القاهرة ١٩٨٦، وعلاقتى بزميلاتى كانت جيدة فى معظمها.
لكن وقبل أن نعرف بحكايات التحرش، كانت غالبية تعاملات جيلى وزملائى وأصدقائى المقربين فى كل الصحف التى عملنا بها مع الزميلات قائمة على الود والاحترام والادب والذوق. بالطبع لم نكن ملائكة، لكن لم يكن جو التربص الحالى موجودا. حتى المعاكسات كان لها حدود، وكذلك علاقات الحب والغرام، لدرجة أننا كنا نتفاجأ بزواج زميل من زميلة، لأن الأمور كلها كانت محكومة بإطار محترم وواضح من القيم والاخلاق.
النقطة الجوهرية التى أريد أن أسلط الضوء عليها اليوم هى أن الأجواء الراهنة جعلت بعض الشباب والرجال بمختلف أعمارهم يلتزمون الحذر فى تعاملاتهم مع السيدات، خوفا من الوقوع فى المحظور!
شخصيا كنت دائم الهزار والتهريج والمزاح مع زميلاتى فى الأماكن التى عملت فيها، وبالطبع فى إطار من الادب. كان المناخ طبيعيا ولم يكن قد تلوث بالشكل الذى نراه الآن.
ما كان موجودا بالأمس، لم يعد موجودا الآن. فى المكالمات الهاتفية يحاول الجميع الآن أن تكون الكلمات واضحة ومنتقاة ومحددة ومهذبة. أحد الأصدقاء قال لى إنه كان دائم التهريج مع إحدى زميلاته بطريقة بريئة لكن لو تم نزع الكلمات من سياقها «فيمكن أن يروح فى ستين داهية».
زميلة أخرى قالت لى إنها كانت تهرج مع كل زملائها الشباب، وتقول لهم ساخرة: «لماذا لا تسألون علىّ، ولماذا لا تسألون عن أولادكم، هل أرفع عليكم قضية نفقة». هى توقفت لأنها اكتشفت أن ذلك قد يتم استغلاله ضدهم وضدها.
زميل ثالث قال إنه كان متعودا على تقبيل زميلاته بصورة أخوية حينما يلتقيهن فى الأماكن العامة. لكنه قرر أن يتوقف عن ذلك فورا، فهو لا يعرف ماذا يخبئ له الغد!!.
زميل رابع، كان متعودا على التهريج اللفظى مع زميلاته لكنه قرر التوقف. زميل خامس كان متعودا على التهريج باليد، فقرر التوقف تماما لأنه قد يتم إساءة فهم ذلك، وينتهى الأمر بقضية تحرش!!.
زميل خامس، كان «يسوق الهبل على الشيطنة» واكتشف من تطورات الأيام السابقة، أن طريقته قد تنتهى به فى النيابة العامة متهما بالتحرش، ومفصولا من عمله.
زميل سادس يقول إنه يحاول مد يده للأمام أكثر من اللازم حتى يجعل تبادل السلام رسميا ولا يتطور إلى عناق، ثم أنه قرر التوقف عن كل الهزار السابق فهو لا يعرف من أين ستأتى المصيبة!!.
زميل سابع قال إنه توقف تماما عن الهزار فى وسائل التواصل الاجتماعى، خصوصا فى الدردشة عبر الواتساب والماسينجر، لأن جملة عابرة أو مقطعا صوتيا منزوعا من سياقه يمكنه أن يورده موارد التهلكة!!.
غالبية الزملاء والمعارف المحترمين يقولون إنهم أصبحوا يخافون من الوقوع فى مصيدة التحرش، بالنظر إلى الحمى الموجودة الآن فى كل مكان، فقد تأتى المصيبة من حيث لا يحتسبون، ويقولون أيضا إن تلقائيتهم ومرحهم وتهريجهم قد توقف تماما، حتى إشعار آخر!!!.