نقلاً عن المقال
بعد اختيار الفيلم المصرى «يوم الدين» للترشح لجائزة أوسكار الفيلم الناطق بلغة غير الإنجليزية، يكون رصيد مصر من التقدم للمسابقة 33 مرة، بدأت بتقديم فيلم المخرج يوسف شاهين «باب الحديد» للأكاديمية عام 1958، وكان الترشح باسم الجمهورية العربية المتحدة، وفى العام الماضى تقدمت مصر بفيلم «شيخ جاكسون» للمخرج عمرو سلامة، ويوسف شاهين حتى الآن هو صاحب الرصيد الأكبر لعدد مرات التقدم للمسابقة، إذ تقدمت أربعة من أفلامه للترشح للأوسكار.
نرشح لك: ”يوم الدين“ يشارك في مهرجان لندن السينمائي
رغم هذا التاريخ الطويل من التقدم للمسابقة، لم يحدث أن فاز فيلم مصرى بالجائزة، ولم يصل حتى إلى القائمة القصيرة للترشيحات النهائية، وربما لهذا يحاول البعض أحيانًا، ومن قبيل تشجيع الذات والبحث عن «الشير واللايكات»، تصوير قبول الأكاديمية الأمريكية الفيلم المصرى على أنه ترشيح للجائزة، وتُقام الأفراح، وتُدبَج مانشيتات المواقع الإلكترونية، وتُزغرد بوستات السوشال ميديا، رغم أنه مجرد قبول روتينى لاستيفاء الفيلم شروط التقدم.
الرغبة والأمل فى الحصول على جائزة الأوسكار أمر يُعبّر عنه الاهتمام السنوى بالتقدم للمسابقة، ويناقضه تهوين بعض النقاد والمهتمين بالشأن السينمائى من قيمة الجائزة، والتقليل من أهميتها، والتشكيك فى حساباتها السياسية ومعاييرها الفنية.
جاء اختيار «يوم الدين» بأغلبية أصوات لجنة ترشيح الأفلام المصرية للأوسكار، من قائمة قصيرة ضمت خمسة أفلام متميزة، والأفلام الأخرى هى: «أخضر يابس» إخراج محمد حماد، و«زهرة الصبار» إخراج هالة القوصى، و«فوتوكوبى» إخراج تامر عشرى، و«تراب الماس» إخراج مروان حامد.
فى كل عام يطرح اختيار فيلم مصرى جديد للتقدم للأوسكار عدة أسئلة، منها: هل الفيلم المُختار هو الأفضل كممثل للسينما المصرية المعاصرة؟ ومتى يدخل الفيلم المصرى الباب الملكى للفوز بالأوسكار؟
فيلم «يوم الدين» المُختار للتقدم لترشيحات أوسكار الفيلم الأجنبى من تأليف وإخراج أبو بكر شوقى، وإنتاج دينا إمام، وتصوير فيدريكو سيسكا، وبطولة راضى جمال وأحمد عبد الحافظ وشهيرة فهمى وعادل عبد السلام، الذى وافته المنية قبل أسابيع. الفيلم من نوعية أفلام الطريق، ويحكى عن بشاى، وهو جامع قمامة قبطى ومريض يعيش فى مستعمرة للجذام، وبعد شفائه ووفاة زوجته التى كانت مريضة جذام أيضًا، يستعد لرحلة صعبة للبحث عن المتبقى من أهله فى الصعيد، وكان أهله قد تخلوا عنه بعد إصابته بمرض الجذام، ويخرج بشاى للمرة الأولى من مستعمرة الجذام مستعينًا فى رحلته بعربة يجرها حمار، وبصحبة صبى نوبى يتيم يُدعى أوباما.
بطل الفيلم «راضى جمال» مريض بالجذام تم شفاؤه، وقابله المخرج فى أثناء إخراجه فيلمًا وثائقيًّا عن مستعمرة الجذام بأبو زعبل، فنشأت فكرة فيلم «يوم الدين»، ورغم الملامح الميلودرامية لموضوع الفيلم، فإنه مُصنف كعمل كوميدى.
الفيلم لم يُعرض بعدُ بصورة تجارية، ومُقرر عرضه للجمهور قبل نهاية الشهر الجارى، ليحقق واحدًا من شروط التقدم للمسابقة، وهو العرض العام فى دور السينما قبل الموعد الأخير والنهائى للتقدم للمسابقة، وهو 1 أكتوبر 2018.
تم اختيار الفيلم للعرض فى المسابقة الرسمية لمهرجان «كان» فى دورته الأخيرة، التى أُقيمت العام الحالى، ومثَّل عرضه عودة الفيلم المصرى إلى قائمة المنافسة على جائزة السعفة الذهبية بعد غياب سنوات، وكان فيلم «بعد الموقعة»، للمخرج يسرى نصر الله، هو آخر فيلم مصرى شارك فى المسابقة الرسمية لمهرجان «كان» قبل مشاركة فيلم «يوم الدين»، وكان ذلك فى عام 2013. فيلم «يوم الدين» فاز بجائزة فرانسوا شاليه من مهرجان «كان»، وهى جائزة مُخصصة للأعمال التى تهتم بقيم الحياة الإنسانية.
خلال العقد الأخير بات واضحًا أن السينما تضع أملها «عالميًّا» على عاتق المخرجين الشباب، ربما لأنهم الأقرب لفهم اللغة السينمائية الحديثة، ولطزاجة أفكارهم وجدية موضوعات أفلامهم؛ ولهذا تتغاضى لجان الاختيار، وقد تكون معذورة، عن حقيقة أن اللغة السينمائية الحديثة وطزاجة الأفكار بلا رؤية فنية أصيلة ولا دقة فى الصناعة، تنتج العمل الأول جيدًا ومُبشرًا ولافتًا، لكنه لن يصمد فى المسابقات العالمية أمام الأفلام التى تترك بصمة وعلامة بقوة لغتها وأصالتها الفنية ولياقتها السينمائية المرتفعة.
هل هذا يعنى أن أفلام المخرجين الكبار هى الأقدر على المنافسة؟ هذا ليس شرطًا، فخلال العشر سنوات الأخيرة تقدمت أفلام «فى شقة مصر الجديدة» و«فتاة المصنع»، للمخرج الراحل محمد خان، للأوسكار، ولم تصل إلى القائمة الطويلة، وكذلك فيلم «رسائل البحر» للمخرج داود عبد السيد، و«الجزيرة» للمخرج شريف عرفة، ولكن باقى الأفلام التى تقدمت للمسابقة، منذ بداية الألفية الثالثة، هى أفلام لمخرجين شباب، منها «عمارة يعقوبيان» لمروان حامد، و«سهر الليالى» للمخرج هانى خليفة، و«الشتا اللى فات» للمخرج إبراهيم البطوط، وقبل فيلم «يوم الدين» تقدمت مصر فى العام الماضى بفيلم «شيخ جاكسون» للمخرج عمرو سلامة، وفى العام قبل الماضى تقدم للمسابقة فيلم «اشتباك» للمخرج محمد دياب.
القليل الجيد من الأفلام المصرية المُنتجة كل عام يجعل اختيار اللجنة المختصة بتقديم فيلم للأوسكار مهمة صعبة، ومؤكد أن الفكرة اللافتة، والجدية، والاختلاف عن السينما التجارية السائدة هى عوامل تضع الأفلام التى تصل إلى القائمة القصيرة فى مهمة صعبة وحاسمة، وهى ضرورة اختيار عمل واحد لتمثيل مصر فى الأوسكار.
فى بعض الأعوام تبدو القائمة القصيرة جيدة من الناحية الفنية، لكنها لا ترقى لمستوى المنافسة، فهى أفلام جيدة كأعمال أولى لصُناعها، وأعمال تُبشر بأن مخرجيها قد يقدمون يومًا ما فيلمًا يجمع بين الإبداع الفنى والرؤية المتماسكة والصناعة الجيدة، ويستطيع المنافسة على جوائز الأوسكار، والسعفة الذهبية لـ«كان»، ودب برلين، وأسد فينيسيا، والبافتا، والجولدن جلوب، ويصبح حديث جميع المهتمين بالشأن السينمائى، وحديث الجمهور.