ألقى الشاعر والفنان التشكيلى والصحفى الكبير مجدى نجيب بمفاجأة أثناء الاحتفال بـ(اليوبيل الفضى) لرحيل الموسيقار بليغ حمدى، عندما أعلن أنه كتب أغانى بناء على اقتراح من بليغ، لتغنيها فيروز وبالفعل قام الاثنان بمغامرة، وسافرا لبيروت وذلك فى منتصف الستينيات، لعرض الأغانى التى لا تصلح سوى لصوت (جارة القمر)، إلا أن الأوامر كانت صريحة، الرحبانية عاصى ومنصور رفعا شعار ممنوع الاقتراب أو التلحين.
من الواضح أن الأخوين قررا احتكار الصوت، نعم هناك استثناءات: مثلا فيلمون وهبة، الملحن اللبنانى الشهير، الذى كانت له بصمة مميزة ورائعة على صوت فيروز، ولكنه، مثل الرحبانية يقدم المذاق اللبنانى، محمد عبدالوهاب قدم لها أكثر من أغنية وقصيدة مثل (مُر بى) و(سهار بعد سهار) و(سكن الليل)، كما أعادت غناء بعض ألحانه القديمة مثل (خايف أقول اللى فى قلبى)، ومع سيد درويش أيضا العديد من أغنيات هذا العبقرى (الحلوة دى قامت تعجن) وغيرها، طبعا التوزيع الرحبانى للألحان يظل مسيطرا، كما أن تلك تعد استثناءات قدمتها فيروز على استحياء.
المؤكد أن عاصى ومنصور، وخاصة الأخير، كان يعد بمثابة العقل المسيطر، وهذا هو تفسيرى لعدم ترحيب فيروز بالغناء لبليغ، ولم يكن هو فقط، سبق لكمال الطويل كما روى لى أن لحن (بكرة يا حبيبى) وهو يتأمل صوت فيروز، ولم يتمكن أيضا من الوصول إليها، فقدمت وردة اللحن، الموسيقار محمد الموجى أعد عدة ألحان، وذهب بالفعل بناء على اقتراح من أحد أصدقاء فيروز، ولم يلق غير التسويف، أكثر من ذلك رياض السنباطى لحن بالفعل ثلاث قصائد عام 1980 وأجريت فيروز البروفات، وغالبا سجلتها بصوتها، إلا أنها فى اللحظات الأخيرة رفضت تداولها، وحاول المطرب والملحن أحمد السنباطى ابن رياض إقناعها بالإفراج عنها دون جدوى، وظل حتى رحيله قبل بضعة أعوام يحاول طرق الباب، إلا أنه كان دائما مغلقا بالضبة والمفتاح.
بعد رحيل زوجها عاصى وتوقف التعاون مع منصور، منح القدر زياد لفيروز لتستكمل المسيرة، ومن الواضح أن قرار الحظر طبقه الابن أيضا، فهو الوحيد الذى يحق له التلحين لأمه.
هل تركيبة فيروز المنغلقة إنسانيا لعبت دورا؟ لا أستبعد قطعا أن القرار لاقى ترحيبا من الإنسان بداخلها.
من الخاسر، لقد وصلت (جارة القمر) للقمة، فما الذى من الممكن أن يضيفه إليها أى ملحن آخر؟
الإجابة قطعا أن هؤلاء وغيرهم كانوا سيمنحون لفيروز مذاقا آخر، تصور مثلا أن فيروز تردد الآن أغنية من تلحين عمر خيرت، أكيد سننتقل إلى ذروة أخرى مختلفة عما وصل إليه حاليا زياد من ذرى غنائية.
الأمانة تقتضى بأننا يجب أن نذكر أنها لم تكن حكاية فيروز والرحبانية فقط، ستكتشف أن لها تنويعات أخرى. عندما تزوج محمد سلطان فى الستينيات من فايزة، تعطلت وقتها لغة الكلام والألحان مع الثلاثى بليغ
والموجى والطويل. وعندما تزوجت وردة من بليغ فى السبعينيات، سألت الموجى متى تلحن لوردة؟ أجابنى بمجرد طلاقها من بليغ، رغم أن بليغ لم يضع حول صوت وردة طوقا حديديا، إلا أنه لم يكن أيضا سعيدا بغنائها لآخرين، فلم يبدأ سيد مكاوى بالتلحين لها إلا بعد طلاقها من بليغ!!
هم فى النهاية بشر، ولا يسمحون لغيرهم بالاقتراب أو التلحين لأقرب الأصوات والبشر إليهم، إلا أننا، كمتذوقين، خسرنا الكثير، أكبر خسارة هى أننا حُرمنا من تذوق صوت فيروز بموسيقى الموجى والطويل وبليغ!!