امرأة وطفل وثالثهما الإصرار على الحياة، بينما العنف والدمار والموت يحاصرهما، الأحداث تعود إلى عام 2012 بعد أشهر قليلة من بداية الثورة السورية، المكان هو دمشق، حيث تتزايد المخاطر فى مواجهة أعداء الحياة.
(يوم أضعت ظلي) هو واحد من أهم الضربات السينمائية التى حققها مهرجان (الجونة)، حصد الفيلم قبل أسابيع قليلة جائزة العمل الأول فى مهرجان (فينسيا) السينمائى فى دورته التى تحمل رقم 75 مشاركا فى قسم (آفاق)، إخراج وتأليف سؤدد كعدان، إنه اليوم الذى اندلعت فيه الحرب، وبعدها فقد الإنسان بالضرورة ظله، الثورة بدأت بمظاهرات سلمية مطالبة بالحرية، وانتهى الحال إلى الخراب والدمار والشتات بعد أن دخل العنف والدماء والمصالح الخارجية طرفا فاعلا فيها لتصب مزيدا من الزيت على النيران. السينما السورية كانت وستظل لفترة زمنية ليست قصيرة واقفة فى منطقة شائكة بين نظام ينتج أفلاما فى الداخل وبدعم من مؤسسة الدولة التابعة له، والتى تقدم إنتاجها لتعضيد السلطة وتبرير حتى أخطائها، وبين سينمائى يقدم فيلمه خارج الحدود، وعليه أن يدرك أنه متهم مسبقا بالعمالة لحساب جهات أجنبية.
نرشح لك: طارق الشناوي يكتب: في وداع جميل راتب
(يوم أضعت ظلى) حالة خاصة فهو ينحاز فقط للإنسان الذى يعيش المعاناة فى الحياة اليومية من عدم توفر الغاز والوقود والطعام والشراب، وعندما يبدأ فى الحصول على مقومات الحياة يدرك كم هى غبية وشريرة مخالب الموت. زمن الفيلم لا يتجاوز ثلاثة أيام هى تلك التى قررت فيها الأم التى تؤدى دورها سوسن رشيد أن تغادر المنزل للبحث عن أنبوبة غاز لكى تطهو الطعام لابنها الوحيد. الموت يتربص بالجميع، وتتابعه وهو يمارس لعبة القتل المجنونة، تذكرنى بهذا المقطع الشعرى لصلاح عبد الصبور (رؤوس الناس على جثث الحيوانات / فتحسس رأسك / فتحسس رأسك)، السلاح ينطلق عشوائيا ولا تدرى من ضد من، الحياد السياسى كان هو الأرض الدرامية التى اختارتها المخرجة لتطل منها على المشهد.
الحياة عندما تصبح على المحك تعرى تماما حقيقة الإنسان، حرصت المخرجة أن نرى ما يجرى من خلال عيون بطلة الفيلم التى تنتقل من مكان إلى آخر بحثا عن طريق آمن، لتعود إلى المنزل حاملة أسطوانة (قارورة) الغاز. المخرجة، وهى أيضا كاتبة السيناريو، وقفت على مسافة واحدة بين الأطراف المتصارعة، المشاهد عادة يترقب وجهة نظر قاطعة سياسيا، بينما هى أرادت أن تتناول الإنسان أولا، فلم تتبن موقفا مع أو ضد أحد لأن قضيتها الأساسية هى الدفاع عن الحياة، الإنسان الذى نتعاطف معه وهو يحفر قبره بيديه قبل أن يتلقى ضربة غادرة ولا يجد حتى التراب ليحتضنه. الاقتصاد فى استخدام الموسيقى التصويرية لتتحول إلى لمحات سريعة موحية، هو أحد أسلحة المخرجة فى التعبير، الخوف من الآخر يبدو واحدة من السمات التى غلفت الفيلم، إلا أن الوجه الآخر لذلك هو أن يتبدد التوجس أيضا فى لحظات، وبعدها يسود الإحساس بالهدف المشترك، وهو حق الحياة. نقترب إلى حد التناقض بين أن تألف الموت وتعتبره ضيفا قادما لا محالة، وعندما يطرق بقوة على الباب تسعى لكى تغلقه تماما بكل ما أوتيت من بقايا حرص على الحياة، لأنه حقا فيلم يهتف للحياة.
عاتبت المخرجة والكاتبة سؤدد كعدان المسؤولين فى خطاب مفتوح طلبت قراءته على الجمهور قبل العرض، بسبب عدم تمكنها هى وكل فريق العمل من الحصول على تأشيرة دخول إلى الأراضى المصرية. ويجب أن نذكر أنها ليست أبدا مشكلة فردية، بل صارت تتكرر كثيرا مع أصدقاء ومبدعين من سوريا وفلسطين، المؤكد أن الجميع كان فى شوق لكى يلتقى ويناقش المخرجة وفريق العمل فى العديد من التفاصيل، حتى من لديه ملاحظات سلبية على الشريط السينمائى. سيظل مع الزمن البقاء للفن وسيخفت تماما التوجه السياسى الذى سيطر على الأفلام السورية التى أنتجت فى السنوات السبع الماضية، السينمائى السورى بات محاصرا قبل حتى الشروع فى تنفيذ الفيلم بهذا السؤال أنت تقف مع من؟، بينما السينما تراهن دائما على ما هو أبعد وأعمق، وعليها أن تُجيب عن هذا السؤال، هل كان الإنسان هو البطل والهدف الأسمى؟، وإجابتى هى نعم، سؤدد انحازت قطعا للإنسان الذى أضاعوا فى لحظات ظله!!.