بعد عرضه الأول في مهرجان “كان” 2018 وترشحه للسعفة الذهبية وحصول مخرجه على جائزة خاصة، عُرض فيلم يوم الدين لأول مرة في الشرق الأوسط بمهرجان الجونة السينمائي ليحظى باهتمام بالغ من الفنانين والمنظمين وأكبر عدد من الحضور حتى الآن لأي فيلم في المهرجان، وفاز أبو بكر شوقي مخرجه بجائزة مجلة فارايتي لأفضل موهبة عربية في الشرق الأوسط. وحصل الليلة إيضا على جائزة أفضل فيلم روائي طويل وجائزة “سينما من أجل الإنسانية” بمهرجان الجونة السينمائي في دورته الثانية، ليصبح “يوم الدين” أهم أفلام 2018 المصرية، والفيلم الذي تقدمه مصر للجنة الأوسكار، ولكن رغم كل ما سبق هل يعني أننا بالفعل أمام فيلم ممتاز كالسمعة التي تسبقه؟
قدم يوم الدين مزيجا من الواقعية والشاعرية ملفت للأنظار، فدارت أحداثه حول مريض الجذام السابق بشاي، الذي يفتقد زوجته المحتجزة في المشفى، راضيًا عن حياته البائسة حتى توفت هذه الزوجة لتنتهي كل الروابط التي تصله بالمستعمرة ويقرر البحث عن جذور أخرى تربطه بالعالم، ويذهب في رحلة لمسقط رأسه في قنا يصاحبه فيها طفل من أيتام الملجأ المجاور للمستعمرة، وحماره حربي وعربة الكارو الخاصة به.
ليأخذنا مخرجه في فيلم طريق وهو النوع السينمائي الغائب عن السينما المصرية منذ سنوات، ونرى مصر بعيون بكر، تطلع على العالم خارج المستعمرة لأول مرة، فعندما ترى أول بناء حجري مثلث الشكل تظن إنها أهرامات الجيزة، ولا تعلم عن القاهرة سوى أن النيل يشقها وهو الطريق الوحيد للجنوب.
يوم الدين فيلمًا ذو موضوع غير مطروق عن فئة مهمشة ليس فقط على شاشة السينما ولكن كذلك في المجتمع، استخدم فيه مخرجه ممثلين غير محترفين في أدوار البطولة، وتم تصوير أغلب مشاهده في أماكن تصويرها الطبيعية ليذكرنا بأفلام الواقعية الإيطالية الجديدة، من حيث الشاعرية والتجربة المؤثرة.
واحدة من أهم مميزات يوم الدين أنه تفادى عيوب الكثير من الأفلام المستقلة الأخرى، مثل بطء الأحداث، أو التركيز على الجماليات البصرية على حساب عوامل أخرى، فأتى التمثيل جيدًا قياسًا بانعدام خبرة بطليه، وهذا دليل على حسن إدارة شوقي لممثليه، ولكن هذا لا يمنع أن صورة الفيلم في حد ذاتها آتت مميزة، وإن كان هذا التميز ليس مبررًا قدر ما كان مفتعلًا لدعم الفيلم والتعويض عن عيوبه التي سنتحدث عنها تاليًا.
نرشح لك: قائمة جوائز النسخة الثانية من مهرجان الجونة السينمائي
نوع الفيلم في حد ذاته مثل عبئًا على أحداثه، فالتزام المخرج بتقديم فيلم طريق ينتقل فيه أبطاله بين وسائل المواصلات المختلفة للوصول إلى الهدف البعيد، جعله يضيف محطات بلا أي سبب منطقي مثل التقائهما بالسارق الذي حاول خداعهما وساعدهما على ركوب المعدية، وذلك حتى تأخذ الرحلة مراحل مختلفة بدءا من الحمار إلى المعدية ثم القطار وبعدها سيارة النقل.
ولكن يبقى أهم عيوب الفيلم على الإطلاق هو الحوار الذي على الرغم من كونه اكتسب حس كوميدي جيد للغاية في بعض أجزائه – خاصة مع تلقائية بطله راضي جمال- إلا أنه كان مفتعلًا للغاية في أجزاء كثيرة أخرى، والأهم أنه غير متناسب مع طبيعة الشخصيات؛ فليس من المنطقي أن يقوم مجموعة من الشحاذين بقول جملة فخيمة التكوين مثل “احنا المنبوذين.. احنا ضحايا أشكالنا!”، بل بدا الحوار في مواضع كبيرة أكثر اتساقًا باللغة الإنجليزية منها في العربية، كما لو أنه مكتوب بالأساس إنجليزيًا ثم تمت ترجمته إلى العربية! ليظهر الاختلاف الواضح في المستوى بين أبو بكر شوقي المخرج والمؤلف.
أيضًا نهاية الفيلم أتت متوقعة إلى حد كبير، فمنذ الثلث الأول يمكن للمشاهد أن يستتنج أن المخرج يتبع نهج الروائي باولو كويلو، حيث الكنز دومًا ما يتركز في “الرحلة” وأن ما يرغب فيه البطل يمتلكه منذ البداية، ولكن يجب عليه خوض كل هذه المغامرات حتى يحصل على هذه الحكمة المخفية.
بشاي وصديقه الصغير أوباما منذ البداية منبوذان من المجتمع، لذلك اجتمع طريقهما معًا، وتطور العلاقة بينهما واضحًا منذ البداية، ولم يحاول المخرج إضفاء أي جديد على المسار المتوقع، واكتفى بالحالة الشاعرية المميزة التي يقدمها للمشاهد، وهي الحالة التي ابهرت الكثيرين بالفعل، وجعلته يحظى بكل هذا التصفيق كل مرة يتم عرض الفيلم.
ولكن الأفلام لا تعتمد فقط على خلق حالة من التعاطف بين المشاهد وأبطال العمل أو القصة التي يقدمها، فذلك الأنبهار الأولي يزول ويبقى أمامنا عمل فني يتم تقييم عوامله المختلفة بموضوعية، وليس تبعًا للقضية التي يقدمها وأهميتها أو حساسيتها فقط.
في النهاية يوم الدين فيلم جيد، خاصة مع الوضع في الاعتبار أنه التجربة الاولى لمخرجه، ولكن يجب مشاهدته مع تنحية التوقعات العالية نتيجة السمعة الممتازة التي اكتسبها بسبب مهرجان كان جانبًا، لنعتبره واحد من أفضل الأفلام المصرية المستقلة في السنوات الأخيرة الماضية.