عزيزي القارئ صباح الخير أو مساء الخير حسب وقت قرايتك للمقال، حبيت الأسبوع ده أشاركك اهتماماتك بترند “الدراسة”، بس من الذاكرة؛ لأن ولاد طنط فكيهة أنهوا فترة التعليم الأساسي والجامعي. أطمئن عزيزي القارئ أن طوال قراءتك لن تدفع أي رسوم أو تُجبر على الاشتراك بأي نشاط.
هو ليه الدراسة مرتبطة دائمًا بعبوس في عضلات الوجه وتكدير للمزاج العام، يمكن لأن بداية الدراسة في مصر مرتبطة ببداية فصل الخريف؟ أم هو اكتئاب تغيير الفصول؟ أسئلة كتيرة ممكن نطرحها سويًا إلا أني حبيت أظهرلك الجانب الحقيقي من خلال ولاد طنط فكيهة.
نرشح لك: بسنت حسين تكتب: رحلة البحث عن “ولاد طنط فكيهة” (1)
الحقيقة أن السبب هو نظرة شماتة طنط فكيهة وهى بتوصل أولادها في أول يوم دراسة وإبداءها لسعادتها بابتعاد أولادها عنها لساعات الدراسة بالمدرسة؛ فسرها ولاد طنط فكيهة أنها نظرة شماتة وغيظ، أو ارتباط غير شرطي بفكرة الانفصال عن الأهل، فكان ذهابهم للمدارس رغم إعدادهم السابق لمستلزمات الدراسة، ما هو إلا تأدية لعقاب وليس حبًا في العلم.
بعد مرور الوقت وبعد ما كبروا ولاد طنط فكيهة ومارسوا أبوتهم وأمومتهم حسوا بمدى الضغط اللي بيسيطر على الأهل، سواء في تحمل المسئولية من الأساس أو من المصاريف المنصبة حول العملية التعليمية. ولأن زوج طنط فكيهة أغلب الوقت يا مسافر يا بيعمل عمل إضافي وده بيجعل من وجوده أمام أولاده منعدم وبيجعل من طنط فكيهة المتصدر لجميع المواقف، هى ولي الأمر في المدرسة وهى الأم المسئولة عن البيت ومراجعة الأولاد، لذلك كانت بداية الدراسة هى بداية تفرغها لذاتها وبداية حقيقية لأجازة لن تنالها كاملة.
ولاد طنط فكيهة عملوا حاجة مهمة جدا في التعليم المصري ألا وهى “تأصيل الدروس الخصوصية” وكأنها بند إجباري ضمن بنود الدراسة. بالطبع طنط فكيهة مش حتقدر تذاكر كل المواد لكل الأولاد وبما أن فيه وفرة في المعيشة_وقتها_ فوجدت في الدروس الخصوصية ملاذًا لإسقاط مسئوليات لن تستطيع تحملها ولن يجد الأب الوقت الكافي للقيام بها. المشكلة الدروس الخصوصية أن الطالب لم يعد يهاب المعلم، فهو يتقاضى أجره أمامه من والديه أو من الطالب ذاته. يذهب ابن طنط فكيهة للمدرسة وهو يشعر أنه ملك متوج، يستطيع أن يُحدث أي شغب دون أن ينال العقاب، لأن من يُدرسه بالمدرسة يعطيه درس خصوصي بعد ساعات قليلة، ويجعل من باقي زملائه في حاجة أن يدخلوا دور المنافسة على لقب “الأقوى” الذي يُحدث الشغب دون أن ينال العقاب. فانتشرت تلك الظاهرة وتأصلت أثناء دراسة ولاد طنط فكيهة إلى أن أصبحت هى الأساس للعملية التعليمية في مصر مع تكدس عدد الطلاب في الفصول وغيرها من الأمور.
الحقيقة أن طنط فكيهة لم تُدرك أنها بداية اللعنة، فغياب الزوج للعمل بصفة أشبه بالمستمرة جعلت متطلباته ومعاييره لنجاح الأولاد أعلى من غيرها في السابق، وإن قصّر الابن في التحصيل الدراسي وقلت درجاته العلمية تُلقَى طنط فكيهة وصلة من التأنيب المستمر ومحاضرة حول فشلها في تربية الأبناء. شكّل هذا الضغط المستمر على طنط فكيهة نوع من التحفز الدائم لتجعل من أبنائها “نمبر وان” أو الأوائل في المراحل التعليمة دون النظر لميول الابن ذاتها. فتحولت العملية إلى نظرة استثمار، يستثمر الأب مجهوده وأمواله في تعليم ابنه ولن يرضى إلا بالأرقام القياسية في الامتحانات. تحولت الدراسة لفترة “معسكر عمل” حقيقية وعلى ولاد طنط فكيهة الإنصاع للأوامر والابتعاد عن الهوايات والرياضة والتكريس المستمر للدراسة. وتمحورت الحياة حول تعليم الأبناء و إلحاقهم بكليات القمة.
يمكن الثانوية العامة عند ولاد طنط فكيهة كانت متقلبة جدا؛ مرة تكون سنة ومرة سنتين ومرة العلمي يشمل العلوم والرياضيات معًا ومرة أخرى ينفصلوا، سنوات يُتبع فيها نظام “التحسين” summer course حاليًا وسنوات أخرى يتم إلغاؤه. لكن على الرغم من تعددية النظام التعليمي إلا أن الوعي الجمعي اللي شكله ولاد طنط فكيهة جعل من دخول كليات القمة هو دخول للجنة وعكف الجميع أن ينالها ومن لم تكتمل درجاته لدخول كليات الطب يحوّل مساره ليلتحق بالهندسة ليس حبًا فيما يدرس ولكن ليحظى بكلية قمة يتفاخر بها والديه. وفي المقابل من لم يلتحق بكلية قمة يُعتبر “فاشل” في نظر عائلته والتي تزرع بداخله بذرة الفشل للمستقبل الذي أغلق أبوابه بعد إلتحاقه بكليات القمة.
تحولت مع الوقت درجات كليات القمة لأعلى من مائة بالمائة وهو ما لم يحدث في أي بلد سوى مصر، وأصبح هناك من ينتحر لعدم حصوله على درجات تؤهله لدخول كليات القمة. الحقيقة أن ولاد طنط فكيهة ضحايا تفكير غير سليم ومحدود، فكل العظماء لم يلتحقوا بكليات القمة وأن من أسس العلوم ذاتها لم يلتحق بجامعات بل ولا بمدارس أيضا. قليل من تخلصوا من ذلك الفكر و أبدعوا في هوايتهم و أعمالهم إلا أن الوعي الجمعي المصري قد توجه إلى فكرة الكمال والتي لن يصل إليها الإنسان في أغلب صوره.
رغم أن ولاد طنط فكيهة كانت المسطرة “المشرشرة وبداخلها ميه” أو المقلمة “متعددة الأدوار” هى وسيلة ترفيههم أثناء فترة الدراسة واللي كانت بتتسم بالبساطة، كوتشي أميجو بينور وحذاء باتا والزمزمية وكيس السندوتشات، إلا أن بداية التعقيد الحقيقي كان من نصيبهم.
يا ترى ولاد طنط فكيهة ضحايا؟ وهل قدروا يتخلصوا من القيود اللي بيقابلوها؟ أسئلة كتير حول ولاد طنط فكية حنلاقي إجاباتها في الأسابيع القادمة.