“نظرة ومدد” هي عروض مسرحية يتم تقديمها يوميا على مسرح مركز الجيزة الثقافي -المجاور لأكاديمية الفنون- وتحمل عنوان التجربة وشعارها “إبدأ حلمك”، وتوصف بأنها مشاريع التخرج للدفعة الأولى لورش مسرح الشباب، حيث تحمل العروض توقيع أحمد طه كمشرف فني على العروض وعلى التجربة ككل، فماذا تقدم لنا هذه العروض؟ وبماذا تخبرنا تلك العروض عن هذه التجربة؟
تقدم هذه العروض 67 ممثلا وممثلة من الشباب الذين استمر تدريبهم قرابة الثمانية أشهر -وما زال تدريبهم مستمرا حتى وقت كتابة هذه السطور- قام بتدريبهم نخبة من الفنانين هم: في التمثيل (أحمد مختار وأشرف فاروق)، وفي الدراما (ميسرة صلاح الدين ودكتور علاء عبد العزيز)، والسينوجرافيا (محمود حنفي وعمرو الأشرف)، وفي الموسيقى والغناء (أحمد حمدي رؤوف وحازم الكفراوي)، أما في الرقص (تامر فتحي وضياء شفيق).
ماذا تقدم العروض أيضا؟
تقدم العروض مادة فنية واسعة المجال والمدى، تضم صلاح عبد الصبور إلى جوار ممدوح عدوان، وويليم شكسبير، ولينين الرملي، وصلاح جاهين، وفيكتور هوجو، وسترندبرج، ومحمود دياب، وعبد الرحمن الشرقاوي، ونجيب سرور، وعبد الرحمن الأبنودي، ومحمود رضوان، وبيرم التونسى، وبديع خيري، وأبو السعود الإبياري، وميخائيل رومان، وسيد حجاب، ومعين بسيسو، وحمدي رؤوف، وسيد مكاوي، ومحمد عبد الوهاب، وكمال الطويل، وعمار الشريعي، وسيد درويش… وغيرهم من عمالقة الفن والإنسانية حيث يستحيل حصرهم نظرا لطبيعة المادة الفنية المتجددة والمتغيرة لتلك العروض بشكل يومي.
نرشح لك: المخرج الفني لـ “ابدأ حلمك” يدعو منتجي الدراما بالاهتمام بورش الشباب
يقدم العرض الأول (نظرة) إطلالة على عالم المسرح من زاوية مصرية بحتة، حيث يرتكز على إعادة مسرحة أوبريت “الليلة الكبيرة” في صورة تجسيد بشري، وأداء غنائي واستعراضي حي، بينما يطلب العرض الثاني (مدد) مددا من كل تراثنا الإنساني في المسرح.
اللافت في الأمر أن الجمهور المصري الحقيقي -المكون من التركيب السكاني لحي العمرانية- أقبل على تلك العروض وأحبها، على الرغم من أنها عروض معملية هدفها الأساسي هو تدريب الممثل عمليا على ملاقاة الجمهور، وعرض مهارات التدريب لدى الممثل، لكن حساسية مبدعي التجربة الفنية لم يفوتها أن تنقل صدقها إلى ذلك الجمهور، فتبناها محبا.
لقد كنت شاهدا على الإقبال غير المسبوق للتقديم في تلك المرحلة التأسيسية من عمر المشروع، لشباب تجاوز عددهم الخمسة آلاف، وكنت شاهدا أيضا على مراحل انتقاء وتدريب هؤلاء الشباب حتى وصلوا إلى تلك النتيجة التي نشاهدها الآن، في ظرف تاريخي تتلاقى فيه إرادة الدولة ممثلة فى صدق وطموح الفنان عادل حسان، مدير مسرح الشباب، وتتبناه فنانة كبيرة بقدر الدكتورة إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة، معبرة عن إرادة سياسية للدولة المصرية تضع الشباب والمستقبل نصب أعينها، تتلاقى هذه الإرادة مع صدق وإخلاص كتيبة الفن المسرحي المصري التي يقودها الفنان أحمد طه، لتقدم نموذجا لما يمكن أن يكون عليه المستقبل، لتساعد وتدعم هؤلاء الشباب الذي بدا معظمهم في البدايات تائها، ليتحولوا إلى مشاريع فنية واعدة، موهوبة ومتعلمة أيضا.
ذلك الدعم الذي تمثل من جهة الدولة في تقديم الدعم المادي والفني للورشة المجانية، ومن الجهة الفنية تمثل في تدقيق اختيار مستحقي الدعم من شباب الموهوبين، والإخلاص في التعليم والتدريب على امتداد المرحلة الزمنية التي تم تنفيذ المشروع فيها، بل وتبني وزارة الثقافة للفكرة، واتخاذ خطوات سريعة وجادة نحو تعميمها على مستوى الدولة ككل.
نرشح لك: أبرز 20 مركزًا ثقافيًا في مصر
تلك التجربة نموذجا لتوجيه طاقات الشباب، المدركة لعظمة الوطن وقوته الناعمة، المخلصة للفن المسرحي، الذي هو مرآة المجتمع عن حق، لم تكن وليدة يومنا هذا، فأنا شاهد أيضا على بداية التجربة في العام 2002 تحت عنوان “الورشة الدائمة لشباب المسرحيين”، ونتاجها الفني في عروض (ارتجالات مسرحية)، و(نأسف للإزعاج الفني)، و(ميسد كول من هولاكو) بمحكى القلعة بقيادة أحمد طه أيضا ومشاركة أشرف فاروق ومحمود الفرماوي وتامر فتحي وحمدي التونسى وصبري فواز و دكتور طارق شرارة و دكتور علاء عبد العزيز وأحمد إسماعيل وغيرهم حيث قدمت حينها مجموعة من الشباب الموهوبين يحتل معظمهم صدارة المشهد الفني الآن، وكذلك كنت شاهدا للأسف على إجهاض تلك التجربة. ولأن الأحلام لا تموت، ولأن الصدق والإخلاص هما منفذنا الوحيد إلى المستقبل، فها هي التجربة -الحلم- تبعث من جديد، وتجد من يصغي إليها.
سامحوني على العنوان.. فلقد كتبت تلك الشهادة رغم كوني انتمي للتجربة، وذلك لعدة اعتبارات أهمها:
– محبتي الحقيقية لفن المسرح
– تفرد التجربة وأهميتها الفنية والعلمية بل والسياسية أيضا
فلقد يقال عن المنتمين لتجربة ما إن شهادتهم مجروحة، لكني أقول عن تلك التجربة إني شاهد من أهلها.
لا مستقبل لنا بغير تعليم، ولا تعليم بدون ثقافة تسمح له بالنمو، ولا ثقافة بغير فن يؤسس لها خيالا ويبني لها طموحا. أكتب هذه الشهادة غير عابئ بأية حسابات سوى محبتي للوطن وللمسرح، فلقد شاركت في تلك التجربة مساعدا ومراقبا، وأنا أكتب تلك الشهادة وكلي أمل أن تستمر الدولة في دعم هذا المسار، محرضا صناع التجربة على توثيق ونشر مختلف مراحلها، كما أدعو كل المختصين في مختلف مجالات التنمية أن ينظروا لذلك المشروع بعين الاعتبار والدراسة.